تعريفه:
الصيام لغةً: الإمساك عن الشيء، كلاماً كان أو طعاماً. ودليل ذلك قوله تعالى، حكاية عن مريم عليها السلام: ﴿ إنِّي نَذَرْتُ لِلرحمن صَوْماً ﴾ سورة مريم؛ آية:26.
والصيام شرعاً: إمساكٌ عن المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية.
تاريخ تشريع الصيام:
فرض صيام شهر رمضان في شعبان من السنة الثانية للهجرة، قال تعالى: ﴿ يا أيُّها الذين آمَنُوا كُتِبَ عليكُم الصِّيامُ كما كُتِبَ على الذين مِنْ قَبْلِكُم لعلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾ سورة البقرة؛ آية: 183.
إلا أنَّ وجوب صوم رمضان تحديداً لم يُشرع من قَبْلُ، فهذه الأمَّة تلتقي مع الأمم السابقة في أصل مشروعية الصوم، وتختص أمة سيدنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم بفرضية شهر رمضان بالذات.
دليل مشروعية صوم شهر رمضان:
الأصل في فرضية صوم شهر رمضان قوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رمضانَ الذي أُنْزِلَ فيه القرآنُ هُدًى للنَّاس وَبَيِّناتٍ من الهُدَى والفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ منكُم الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ سورة البقرة؛ آية: 185.
وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (( بُنِي الإسلام على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله أنَّ محمَّداً رسولُ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصومِ رمضان )) رواه البخاري ومسلم.
حكم تارك صيام شهر رمضان من غير عذر:
لمَّا كان صيام شهر رمضان ركناً من أركان الإسلام، ومن الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، كان جاحد وجوبه كافراً، أي يعامل معاملة المرتد، وذلك إن لم يكن قريب عهد بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العمران أي بعيداً عن العلماء. أمَّا من ترك صومه بغير عذرٍ، وكان غير جاحد لوجوبه، وذلك كأن قال : الصوم واجبٌ علي، ولكني لا أصوم فإنَّه يكون فاسقاً، وليس بكافر، ووجب على حاكم المسلمين حبسه ومنعه من الطعام والشراب نهاراً ليحصل له الصوم بذلك، ولو صورة.
مِن حِكَمِ الصيام وأسراره وفوائده:
ينبغي للمسلم أن يعلم قبل كل شيء: أن صيام شهر رمضان عبادة فرضها الله تعالى. ومعنى كونها عبادة: أن يقوم المسلم بأدائها استجابةً لأمر الله تعالى، وقياماً بحقِّ العبودية له، بقطع النظر عن أي نتيجة يمكن أن تنتج عن عبادة الصوم. فإذا فعل المسلم ذلك، فلا مانع أن يتطلَّع بعدئذ إلى الحِكَمِ والأسرار الإلهية الكامنة في تلك العبادة من صيام وغيره. وممَّا لا شك فيه أيضاً أنَّ للصوم حِكَماً وفوائد كثيرة قد يطَّلع العباد على بعضها. ويبقى الكثير منها خافياً عليهم.
ومن هذه الحِكَم والفوائد التي يمكن أن يستشفَّها المسلم ويلمّها في الصوم ما يلي:
- أنَّ الصيام الصحيح من شأنه أن يوقظ قلب المؤمن لمراقبة الله تعالى، وذلك لأنَّ الصائم ما إن يستدبر جزءاً من نهاره حتى يُحسَّ بالجوع والعطش، وتهفو نفسه إلى الطعام والشراب، ولكن شعوره بأنَّه صائم يحول دون تحقيقه لرغبات نفسه، تحقيقاً لأمر الله تعالى، ومن خلال هذا التدافع يستيقظ القلب، وينمو فيه شعور المراقبة لله تعالى.
- شهر رمضان شهر قدسي بين أشهر السنة كلِّها، ويريد الله تعالى من عباده أن يملؤوه بالطاعات والقربات، ويحققوا فيه أسمى معاني عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، وهيهات أن يتحقق ذلك أمام موائد الطعام، وفي مجالس الشراب، وبعد امتلاء المعدة، وتصاعد أبخِرة الطعام إلى الفكر والدماغ، فكان في شريعة صيام هذا الشهر أيسر سبيل للقيام بحقِّه، وأداء واجب العبودية فيه.
- أنَّ استمرار حالة الشّبع في حياة المسلم من شأنه أن يغمر مشاعره بأسباب القسوة، وينمِّي في نفسه عوامل الطغيان، وكلاهما ممَّا يتنافى مع شأن المسلم، فكان في شريعة الصيام ما يهذِّب نفس المسلم، ويرهف مشاعره.
- أنَّ من أهم المبادئ التي ينهض عليها المجتمع الإسلامي تراحم المسلمين وتعاطفهم، وهيهات أن يرحم الغني الفقير رحمة صادقة من غير أن يتخلَّله شعور بآلام الفقير وشدته، ومرارة الجوع وضراوته. وشهر الصيام خير ما يكسب الغني شعور الفقير، ويجعله يعيش معه في آلامه وحرمانه، ومن ثَمَّ كان الصوم خير ما يثير في نفس الأغنياء دوافع العطف والرحمة والمواساة.
ثبوت شهر رمضان
يثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين:
الأول : رؤية الهلال، ليلة الثلاثين من شعبان، وذلك بأن يشهد أمام القاضي شاهد عَدْل أنه رأى الهلال.
الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً: وذلك فيما إذا تعسَّرت رؤية الهلال بسب غيوم، أو إذا لم يتقدم شاهد عَدْل يشهد بأنه قد رأى الهلال، فيُتَمَّم شهر شعبان ثلاثين يوماً، ودليل هذين الأمرين قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإنْ غُمَّ عليكم فأكملوا عِدَّةَ شعبان ثلاثين يوماً )) رواه البخاري ومسلم.