معناه:
لغةً: سيلان الماء على الشيء أيَّاً كان.
وشرعاً: جريان الماء على البدن بنية مخصوصة.
مشروعيته:
الغسل مشروع، سواء كان للنظافة، أم لرفع الحدث، سواء كان شرطاً لعبادة أم لا.
ودلَّ على مشروعيته: الكتاب والسنَّة والإجماع.
أمَّا الكتاب:
فآيات، منها قوله تعالى:﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِيْنَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِيْنَ ﴾ سورة البقرة؛ الآية: 222. أي المتنـزهين عن الأحداث والأقذار المادية والمعنوية.
أمَّا السنَّة:
فأحاديث، منها: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” حقٌّ على كلِّ مسلم أن يغتسلَ في كلِّ سبعةِ أيامٍ يوماً، يغسلُ فيه رأَسَهُ وجسَده ” والمراد بالحق هنا: أنَّه مما لا يليق بالمسلم تركه، وحمله العلماء على غسل يوم الجمعة.
وأمَّا الإِجماع:
فلقد أجمع الأئمة المجتهدون على أنَّ الغسل للنظافة مستحب، والغسل لصحة العبادة واجب، ولا يعرف في هذا مخالف.
حكمة مشروعية الغسل:
للغسل حكمٌ كثيرة وفوائد متعدّدة، منها:
- حصول الثواب:
لأنَّ الغسل بالمعنى الشرعي عبادة، إذ فيه امتثال لأمر الشرع وعمل بحكمه، وفي هذا أجر عظيم، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ” الطّهور شطر الإيمان ” رواه مسلم. أي نصفه أو جزء منه، وهو يشمل الوضوء والغسل.
- حصول النظافة:
فإذا اغتسل المسلم تنظف جسمه مما أصابه من قذر، أو علق به من وسخ، أو أفرزه من عرق. وفي هذه النظافة وقاية من الجراثيم التي تسبب الأمراض، وتطييب لرائحة الجسم، مما يدعو لحصول الألفة والمحبة بين الناس.
- حصول النشاط:
فإنَّ الجسم يكتسب بالاغتسال حيوية ونشاطاً، ويذهب عنه الفتور والخمول والكسل، ولاسيَّما إذا كان بعد أسبابه الموجبة؛ كالجماع وغيره…
أقسام الغسل
والغسل قسمان: غسل مفروض، وغسل مندوب.
أولاً – الغسل المفروض:
وهو الذي لا تصح العبادة المفتقرة إلى طهر بدونه، إذا وجدت أسبابه، وهي: الجنابة والحيض والولادة والموت.
1- الجنـابـة
معناها:
الجنابة: في الأصل معناها البعد، قال الله تعالى: ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ﴾ سورة القصص؛ الآية: 11، أي عن بُعدٍ. وتطلق الجنابة على المني المتدفق كما تطلق على الجماع.
وعليه فالجنب هو: غير الطاهر، من إنزال أو جماع. وسمي بذلك لأنَّه بالجنابة بَعُدَ عن أداء الصلاة ما دام على هذه الحالة.
أسبابها:
وللجنابة سببان:
الأول: نزول المني من الرجل أو المرأة بأي سبب من الأسباب:
سواء كان نزوله بسبب احتلام، أو ملاعبة، أو نظر، أو فكر.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت أُمُّ سُلَيم إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله، إنَّ الله لا يَستَحْيي من الحقِّ، فهل على المرأة غُسلٌ إذا احتلمتْ؟ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” نعم إذا رأتِ الماء ” رواه البخاري ومسلم. [ احتلمت: رأت في نومها أنها تجامع ].
وروى أبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً؟ فقال: ” يغتسل ” . وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل؟ فقال: ” لا غُسلَ عليه ” . فقالت أُمُّ سُلَيم: المرأة ترى ذلك، أعليها غُسلٌ؟ قال: ” نعم، النساء شقائق الرجال “. أي نظائرهم في الخلق والطبع، فكأنَّهنَّ شُققن من الرجال.
الثاني: الجماع ولو من غير نزول المني:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ” إذا جلس بين شُعَبها الأَربع، ثمَّ جَهَدَها، فقد وجب عليه الغُسل ” وفي رواية مسلم: ” وإن لم ينـزل “.
وفي رواية عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها: ” ومسَّ الخِتان الختان فقد وجب الغسل “. أي على الرجل والمرأة لاشتراكهما في السبب.
ما يحرم بالجنابة:
ويحرم بالجنابة الأمور التالية:
- الصلاة فرضاً، أو نفلاً، لقوله تعالى: ﴿ لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعَلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ سورة النساء؛ الآية: 43. فالمراد بالصلاة هنا مواضعها، لأنَّ العبور لا يكون في الصلاة، وهو نهيٌّ للجنب عن الصلاة من باب أولى.
- المكث في المسجد والجلوس فيه، أما المرور فقط من غير مكثٍ ولا تردد فلا يحرم، قال الله تعالى: ﴿ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾. أي لا تقربوا الصلاة ولا موضع الصلاة _ وهو المسجد _ إذا كنتم جنباً إلا قُرْبَ مرور وعبورِ سبيل.
- الطواف من حول الكعبة المشرَّفة فرضاً أو نفلاً، لأنَّ الطواف بمنزلة الصلاة، فيشترط له الطهارة كالصلاة، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” الطَّواف بالبيت صلاةٌ، إلا أنَّ الله أحلَّ لكم فيه الكلام، فمن تكلَّم فلا يتكلَّم إلا بخيرٍ ” رواه الحاكم.
- قراءة القرآن: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” لا تقْرأ الحائض، والجُنُب شيئاً من القرآن ” رواه الترمذي وغيره.
ملاحظة: يجوز للجنب إمرار القرآن على قلبه من غير تلفّظ به، كما يجوز له النظر في المصحف. ويجوز له قراءة أذكار القرآن بقصد الدعاء أو الذكر، لا بقصد القراءة؛ وذلك كأن يقول : ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ سورة البقرة؛ الآية: 201. بقصد الدعاء. وكأن يقول إذا ركب الدَّابة: ﴿ سُبْحَانَ الذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْنَ ﴾ سورة الزخرف؛ الآية: 13. بقصد الذكر لا بقصد القراءة.
- مس المصحف وحمله أو مس ورقه، أو جلده، قال الله تعالى: ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلا المُطَهَّرُونَ ﴾ سورة الواقعة؛ الآية: 79.
وقال عليه الصلاة والسلام: ” لا يمس القرآن إلا طاهر ” رواه مالك في الموطأ، والدارقطني.
ملاحظة: يجوز للجنب حمل المصحف إذا كان في أمتعةٍ أوثوب، ولم يقصد حمله بالذات، بل كان حمله تبعاً لحمل الأمتعة والثوب. وكذلك يجوز له حمل كتب تفسير القرآن الكريم إذا كان التفسير أكثر من القرآن الكريم، لأنَّ فاعل ذلك لا يسمَّى عرفاً حاملاً للقرآن الكريم.
2- الحيض
لغةً: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال.
شرعاً: دمُ جِبلّة – أي خلقة وطبيعة – تقتضيه الطباع السليمة، يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة في أوقات معلومة.
دليله:
ودليل أنَّ الحيض يوجب الغسل: القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
أمَّا القرآن الكريم، فقوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذَىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأَتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ سورة البقرة؛ الآية: 222.
وأمَّا السنَّة النبوية الشريفة: فقوله عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت أبي حُبيش رضي الله عنها: ” فإذا أقبلتِ الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرتْ فاغسلي عنك الدم وصلِّي ” رواه البخاري ومسلم.
سنّ البلوغ:
يقصد بالبلوغ السنَّ التي إذا بلغها الإنسان _ ذكراً أو أنثى _ أصبح أهلاً لتوجه الخطاب إليه بالتكاليف الشرعية: من صلاة، وصوم، وحجٍّ، وغيرها.
ويعرف البلوغ بأمور:
الأول: الاحتلام بخروج المني، بالنسبة للذكر والأنثى.
الثاني: رؤية دم الحيض بالنسبة للأنثى. والوقت الذي يمكن أن يحصل فيه الاحتلام أو الحيض فيكون قد تحقَّق البلوغ، هو استكمال تسع سنين قمرية من العمر. ثمَّ التأخر عن هذا الوقت أو عدم التأخر إنَّما يتبع طبيعة البلاد، وظروف الحياة.
الثالث: باستكمال الخامسة عشرة من العمر، بالسنين القمرية، إذا لم يحصل الاحتلام أو الحيض.
مدَّة الحيض:
وللحيض مدَّة دنيا، ومدَّة قصوى، ومدَّة غالبة:
فالمدَّة الدنيا _ وهي أقلّ مدَّة الحيض _ يوم وليلة.
والمدَّة القصوى _ وهي أكثر مدَّة الحيض _ خمسة عشر يوماً بلياليها.
والمدَّة الغالبة: ستة أيام أو سبعة.
وأقلّ طهرٍ بين الحيضتين خمسة عشر يوماً، ولا حدَّ لأكثر الطهر، فقد لا تحيض المرأة سنة أو سنتين أو سنين. وهذه التقادير مبناها الاستقراء، أي تتبع الحوادث والوجود، وقد وجدت وقائع أثبتتها.
فإذا رأتِ المرأة دماً أقلّ من مدَّة الحيض _ أي أقلّ من يوم وليلة _ أو رأت الدم بعد مدَّة أكثر الحيض _ أي أكثر من خمسة عشر يوماً بلياليها _، اعتبر هذا الدم دم استحاضة لا دم حيض. وقد تميز دم الحيض عن دم الاستحاضة بلونه وشدَّته.
والاستحاضة:
دم علَّة ومرض يخرج من عرق من أدنى الرحم يقال له العاذل، وهذا الدم ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل، ولا يوجب ترك الصلاة ولا الصوم؛ فالمستحاضة تغسل الدم، وتربط على موضعه، وتتوضَّأ لكل فرض، وتصلِّي.
روى أبو داود وغيره عن فاطمة بنت أبي حُبيش: أنَّها كانت تُستَحاض، فقال لها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ” إذا كان دمُ الحيضة فإنَّه دمٌ أسود يُعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضَّئي وصلِّي، فإنَّما هو عِرْق “.
ما يحرم بالحيض
يحرم بالحيض الأمور التالية:
- الصلاة: لحديث فاطمة بنت أبي حُبيش رضي الله عنها السابق في الاستحاضة.
- قراءة القرآن الكريم ومسّ المصحف وحمله.
- المكث في المسجد لا العبور فيه: ومما يدل على أن مجرد العبور لا يحرم ما رواه مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” ناوليني الخُمرة من المسجد “. فقلتُ: إنّي حائض، فقال: ” إنَّ حيضتكِ ليستْ في يدكِ “.
- الطواف: ودل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا لا نُرى إلا الحجَّ، فلمَّا كنَّا بسَرَف حِضْتُ، فدخل عليَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا أبكي، فقال: ” ما لكِ، أَنفسْتِ؟ ” قلت: نعم، قال: ” إنَّ هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاجّ، غير أن لاتطوفي بالبيت ” . وفي رواية ” حتَّى تطهري “.
ويحرم على الحائض زيادة على ذلك أمور أخرى وهي:
- عبور المسجد والمرور فيه إذا خافت تلويثه، لأنَّ الدم نجس ويحرم تلويث المسجد بالنجاسة وغيرها من الأقذار، فإذا أمنت التلويث حلَّ لها المرور.
- الصوم: فلا يجوز للحائض أن تصوم فرضاً ولا نفلاً، ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال في المرأة الحائض وقد سئل عن معنى نقصان دينها: ” أليس إذا حاضتْ لم تُصلِّ ولم تصم “.
وعلى ذلك الإجماع.
وتقضي الحائض ما فاتها من صوم بعد طهرها، ولا تقضي الصلاة، وإذا طهرت _ أي انتهى حيضها _ وجب عليها الصوم، ولو لم تغتسل.
روى البخاري ومسلم واللفظ له، عن معاذة قالت: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قال: ” كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة “. ولعل الحكمة في ذلك أنَّ الصلاة تكثر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم.
- الوطء _ أي الجماع _ والاستمتاع والمباشرة بما بين السرَّة إلى الركبة: لقوله تعالى: ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأَتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ سورة البقرة؛ الآية: 222. والمراد باعتزالهنَّ ترك الوطء.
وروى أبو داود عن عبد الله بن سعد رضي الله عنه: أنَّه سأل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ما يحلُّ من امرأتي وهي حائض؟ قال: ” لك ما فوق الإزار “. والإزار الثوب الذي يستر وسط الجسم وما دون، وهو ما بين السرَّة والركبة غالباً.
3- الولادة
الولادة، وهي وضع الحمل:
قد تكون الولادة ولا يعقب خروج الولد دم، فحكمها حينئذ حكم الجنابة، لأنَّ الولد منعقد من ماء المرأة وماء الرجل. ولا يختلف الحكم مهما اختلف الحمل الموضوع، أو طرقة وضعه. وإذا أعقب خروج الولد دم _ وهو الغالب _ سمّي نفاساً، وتعلّقت به أحكام إليك بيانها.
النفاس
معناها:
النفاس لغةً: الولادة. وشرعاً: الدم الخارج عقب الولادة. وسمّي نفاساً، لأنَّه يخرج عقب خروج النفس، ويقال للمرأة نُفَساء.
والدم الذي يخرج أثناء الطلق، أو مع خروج الولد، لا يعتبر نفاساً، لتقدمه على خروج الولد، بل يعتبر دم فساد، وعلى ذلك تجب الصلاة أثناء الطلق ولو رأت الدم، وإذا لم تتمكن من الصلاة، وجب قضاؤها.
مدَّته:
وأقل مدَّة النفاس لحظة، وقد يمتد أياماً، وغالبه أربعون يوماً، وأكثره ستون، فما زاد عليها فهو استحاضة والأصل في هذا الاستقراء.
ما يحرم بالنفاس:
أجمع العلماء على أنَّ النفاس كالحيض في جميع أحكامه.
رؤية الدم حال الحمل:
إذا رأت الحامل دماً، وبلغت مدَّته أقل مدَّة الحيض _ وهي يوم وليلة _ ولم يتجاوز أكثر مدَّة الحيض _ وهي خمسة عشر يوماً بلياليها _ اعتبر هذا الدم حيضاً على الأظهر، فتدع الصلاة والصوم وكل ما يحرم على الحائض. أمَّا إذا كان الدم الذي رأته أقل من مدَّة الحيض، أو أكثر من مدَّة أكثره، اعتبر الأقل والزائد دم استحاضة، وأخذ حكمه من حيث الصلاة وغيرها.
وقيل: الدم الذي تراه المرأة الحامل يعتبر دم استحاضة مطلقاً كيف كان، وليس دم حيض، لأنَّ الحمل يسدّ مخرج الحيض، وهذا الغالب الأكثر، وحيض المرأة أثناء الحمل إن لم يكن ممتنعاً فهو نادر جداً.
مدَّة الحمل:
أقلّها: وأقل مدَّة الحمل ستة أشهر أخذاً من الآيتين الكريمتين: قوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَاُلُه ثَلاثُونَ شَهْراً﴾ سورة الأحقاف؛ الآية: 15. وقوله تعالى:﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ سورة لقمان؛ الآية: 14. أي فطامه عن الرضاع.
فإذا كانت مدَّة مجموع الحمل والرضاع ثلاثين شهراً، وكانت مدَّة الرضاع وحده عامين؛ كانت مدَّة الحمل ستة أشهر، وهي أقل مدَّته، فإذا جاءت المرأة بولد بعد الزواج بأقل من ستة أشهر وهو حي، لا يثبت نسبه لأبيه.
غالبها: وغالب مدَّة الحمل تسعة أشهر، أخذاً من واقع الحال فإنَّ عامة النساء يلدن بعد بدء الحمل بتسعة أشهر، أو يزيد على ذلك أياماً قليلة، أو ينقص.
أكثرها: وأكثر مدَّة الحمل عند الشافعي رحمه الله تعالى أربع سنين، وهي مدَّة إن لم تكن ممتنعة فهي نادرة للغاية، ولكنَّها تقع، وقد وقعت بالفعل، وعلى وقوعها بنى الشافعي رحمه الله تعالى قوله.
4- الموت
إذا مات المسلم وجب على المسلمين تغسيله، وهو واجب كفائي، إذا قام به البعض من أقربائه أو غيرهم سقط الطلب عن الآخرين، وإذا لم يقم به أحد أثِم الجميع. وتجب نية الغسل على الغاسل. هذا في غير الشهيد، وأمَّا الشهيد فإنَّه لا يُغسَّل.
ودليل وجوب غسل الميت ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال في المُحْرِم الذي وقصتْهُ ناقته: ” اغسلُه بماءٍِ وسدْر ” رواه البخاري ومسلم.
ثانياً: الغسل المندوب:
وبعبارة أخرى: الأغسال المسنونة، وهي التي تصح الصلاة بدونها، ولكن الشرع ندب إليها لاعتبارات كثيرة، وإليك بيانها:
- غسل يوم الجمعة:
مشروعيته:
يُسنّ يوم الجمعة لمن يريد حضور الصلاة، وإن لم تجب عليه الجمعة: كمسافرٍ أو امرأة، أو صغير، وقيل: يسنّ الغسل لكل أحد، حضر الجمعة أم لا، ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ” إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ” رواه البخاري ومسلم واللفظ له. والأمر هنا للندب، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: ” من توضَّأ يوم الجمعة فبها ونِعمتْ، ومن اغتسل فالغسل أفضل ” رواه الترمذي.
وقته:
وقت الغسل يوم الجمعة يدخل بأذان الفجر الصادق، وتقريبه من ذهابه إلى الجمعة أفضل، لأنَّه أبلغ في حصول المقصود من الغسل وتطييب رائحة جسمه، وإزالة العرق والرائحة الكريهة، لأن الإسلام إنَّما سنَّ غسل الجمعة من أجل اجتماع الناس،لئلا يتأذَّى بعضهم برائحة كريهة، لذلك نهى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن أكل الثوم والبصل، لمن يريد حضور الصلوات في المساجد.
- غسل العيدين:
مشروعيته:
يسنّ الغسل يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، لمن أراد أن يحضر الصلاة ولمن لم يحضر، لأنَّ يوم العيد يوم زينة، فيسنَّ الغسل له.
ودليله: ما رواه الإمام مالك في الموطَّأ أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يغتسِل يوم الفِطر، قبل أن يغدُو إلى المصلَّى. وقيس بيوم الفطر يوم الأضحى.
ويعضُد عمل الصحابي هذا: قياس غسل العيدين على غسل الجمعة، لأنَّ المعنى فيهما واحد، وهو التنظف لاجتماع الناس.
وقته:
وقت غسل العيدين يبدأ بنصف الليل من ليلة العيد.
- غسل الكسوفين: كسوف الشمس، وخسوف القمر.
مشروعيته:
ويسن الغسل لصلاة كسوف الشمس، وخسوف القمر. ودليل ذلك القياس على الجمعة لأنَّها في معناها من حيث مشروعية الجماعة فيها، واجتماع الناس لها.
وقته:
ويدخل وقت الغسل للكسوفين ببدء الكسوفين، وينتهي بانجلائهما.
- غسل الاستسقاء:
يسنّ الغسل قبل الخروج لصلاة الاستسقاء، قياساً على غسل الكسوفين.
- الغسل من غسل الميت:
يُسنّ لمن غسل ميِّتاً أن يغتسل.
ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ” من غَسَلَ ميِّتاً فليغتسِل ” رواه أحمد وأصحاب السنن وحسَّنه الترمذي. وصرَفَه عن الوجوب قولُه عليه الصلاة والسلام: ” ليس عليكم في غَسْلِ ميِّتكُم غُسْلٌ إذا غسلتُمُوه ” رواه الحاكم.
- الأغسال المتعلّقة بالحج:
- الغسل للإحرام بالحج أو العمرة:
ودليله ما رواه الترمذي عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه: أنَّه رأى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تجرَّدَ لإهلاله واغتسل.
- الغسل لدخول مكَّة المكرَّمة:
ودليله: أنَّ ابن عمر رضي الله عنه كان لا يقدم مكَّة إلا باتَ بذي طُوى حتَّى يُصبح ويغتسل، ثمَّ يدخل مكَّة نهاراً، وكان يذكرُ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه فعله. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.
- الغسل للوقوف لعرفة بعد الزوال:
والأفضل أن يكون بنمرة قرب عرفات.
ودليله: أنَّ علياً رضي الله عنه كان يغتسل يومَ العيدين يوم الجمعة، يوم عرفة، وإذا أراد أن يحرم.
- الغسل لرمي الجمار في كلّ يوم من أيام التشريق الثلاثة بعد الزوال:
لآثار وردت في ذلك كلّه، ولأنَّها مواضع اجتماع الناس فأشبه الغسل لها غسل الجمعة.
- الغسل لدخول المدينة المنوَّرة:
إن تيسر له ذلك، قياساً على استحبابه لدخول مكَّة المكرَّمة، لأنَّ كلاً منهما بلد محرَّم، فإن لم يستطع اغتسل قبل دخوله مسجد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
كيفية الغسل
للغسل كيفية واجبة، وكيفية مسنونة:
الكيفية الواجبة:
هي عبارة عن أمرين، يعبر عنهما في الفقه بفرائض الغسل:
الأول: النية عند البدء بغسل الجسم، لحديث: ” إنَّما الأعمال بالنيات “.
وكيفيتها: أن يقول بقلبه _ وإذا تلفَّظ بلسانه كان أفضل _ : نويتُ فرض الغسل أو نويتُ رفع الجنابة، أو استباحة الصلاة، أو استباحة مفتقِر إلى غسل.
الثاني: غسل جميع ظاهر الجسم بالماء، بشرةً وشعراً، مع إيصال الماء إلى باطن الشعر وأصوله.
روى البخاري عن جابر رضي الله عنه وقد سئل عن الغسل، فقال: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذ ثلاثةَ أكفٍّ ويُفيضها على رأسه، ثمَّ يُفيض على سائر جسده.
وعند مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها وقد سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الغسل فقال: ” إنَّما يكفيكِ أنْ تحثي على رأسكِ ثلاثَ حثيات، ثمَّ تُفيضينَ عليكِ الماء، فتطهُرِينَ “.
الكيفية المسنونة:
ويعبَّر عنها في الفقه بسنن الغسل، وهي:
- يغسل يديه خارج إناء الماء، ثمَّ يغسل بيساره فرجه وما على بدنه من قذر، ثمَّ يدلكها بمنظف.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت ميمونة: وضعت للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم ماءً للغسل فغسل يديه مرتين أو ثلاثاً ثمَّ أفرغ على شماله، فغسل مذاكيره، ثمَّ مسح يديه بالأرض.
- يتوضَّأ وضوءاً كاملاً، وإن أخَّر رجليه حتَّى نهاية الغسل فلا بأس.
- يخلل شعر رأسه بماء، ثمَّ يغسل رأسه ثلاثاً.
- يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر.
دلَّ على هذه السنن ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا اغتسل من الجِنابة بدأ فغسل يديه. وفي رواية مسلم: ثمَّ أفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه. وعند البخاري عن ميمونة رضي الله عنها: وغسل فرجه وما أصابه من الأذى، ثمَّ يتوضَّأ كما يتوضَّأ للصلاة، ثمَّ يُدخل أصابعه في الماء فَيُخَلِّلُ بها أصول شَعْره، ثمَّ يصبُّ على رأسه ثلاث غُرَفٍ بيده ثمَّ يُفيض الماء على جلده كلِّه.
ودلَّ على استحباب البدء بالشق الأيمن ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُعجبه التيمُنُ في تنعُّله وترجُّلِهِ وطُهُورِهِ وفي شأنِهِ كلِّه. [ ترجّله: تسريح شعر رأسه ].
- يدلك جسمه ويوالي _ أي بتتابع _ بين غسل الأعضاء، خروجاً من خلاف من أوجب ذلك وهم المالكية.
- يتعهد معاطفه بالغسل، وذلك بأن يأخذ الماء فيغسل كل موضع من جسمه فيه انعطاف أو التواء، كالأذنين وطيات البطن وداخل السرَّة والإبط، وإن غلب على ظنّه أن الماء لا يصل إليهما إلا بذلك كان واجباً.
- تثليث أعمال الغسل قياساً على الوضوء.
مكروهات الغسل:
- الإسراف في الماء لما مر معك في مكروهات الوضوء، ولأنَّه خلاف فعله عليه الصلاة والسلام.
روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضَّأُ بالمد.
- الاغتسال في الماء الراكد: لما رواه مسلم وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ” لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب “. فقالوا: يا أبا هريرة، كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولاً. أي يأخذه بيده، أو بإناء صغير. وينوي الاغتراف إن كان الماء قليلاً، حتَّى لا يصير مستعملاً بمباشرته بجزء من بدنه. أو يأخذ قليلاً من الماء من الوعاء قبل أن ينوي رفع الجنابة، ثمَّ ينوي ويغسل به يده، ثمَّ يتناول بها الماء. والحكمة من هذا النهي: أنَّ النفس تتقزَّز من الانتفاع بالماء المغتسل فيه بأي وجه، إلى جانب إضاعة الماء، بخروجه عن صلاحيته للتطهير، إن كان أقلّ من قلَّتين، لأنَّه يصبح مستعملاً بمجرَّد الاغتسال فيه، والناس في الغالب يحتاجون إلى الانتفاع بالماء الراكد، فلذلك نهي عن الاغتسال فيه.