وصف مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان العدوان الصهيونى الغاشم على المستشفى المعمداني في غزة بالمجزرة المروعة التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية، وقال : العدو الاسرائيلي الارهابي يمارس ابشع انواع الاجرام الممنهج بحق ابناء غزة من ابادة وتدمير وتهجير يحاول من خلاله توسيع رقعة احتلاله لارض الفلسطين .
اضاف: ما يحصل من مجازر في غزة هو انتهاك خطير وصارخ للقانون الدولي والانساني ولابسط قيم الانسانية، فاين المحاكم الدولية لمحاسبة هذا الاجرام وبخاصة العدوان على المستشفى المعمداني لتحقيق العدالة ؟
وختم: الدم الفلسطيني غال على العرب والمسلمين واحرار العالم ، ولن يرضوا الا بمحاسبة الاحتلال الاسرائيلي الغاصب لارض فلسطين المجروحة.
والقى المفتي دريان كلمة في حفل افتتاح المؤتمر العالمي الثامن لدور وهيئات الافتاء في العالم الذي تنظمه دار الفتوى في جمهورية مصر العربية في القاهرة بعنوان الفتوى وتحديات الالفية الثالثة بمشاركة 99 دولة في العالم، وقال المفتي دريان: لقدِ اسْتَقَرَّ في وَعْيِ عُلمائِنَا وَمُؤَسَّسَاتِنَا الدِّينِيَّة ، أنَّ المُهِمَّاتِ المَوكُولَةَ إلينا بِمُقْتَضَى قَولِهِ تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ تَتَمَثَّلُ في مُعظَمِ البِلادِ الإِسْلامِيَّة ، وَفِي المُغْتَرَبَاتِ فِي أَربَعَةِ أُمُور : الحِفَاظُ على وَحْدَةِ العَقِيدَةِ وَالعِبَادَة ، وَهِيَ مُهِمَّةٌ لا أَزْعُمُ أَنَّنَا على أَهَمِّيَّتِهَا قَد نَجَحْنَا فِيها تَمَاماً، ليسَ بِسَبَبِ الانْقِسَامَاتِ التَّارِيخِيَّةِ فقط ؛ بل وَبِسَبَبِ التَّشَقُّقَاتِ وَالانْشِقَاقَاتِ التي حَدَثَتْ فِي الأَزْمِنَةِ الحَدِيثَة. نَحنُ مَا نَزَالُ نَعمَلُ على الوَحْدَةِ دُونَ تَوقُّفٍ بِمُقْتَضَى الأَمْرِ الإِلَهِيّ ، وَمَسَاجِدُنَا وَمُنْتَدَيَاتُنَا عَامِرَةٌ بِحَمدِ اللهِ وَعِنَايَتِهِ وَرَحْمَتِه.
أمَّا المُهِمَّةُ الثَّانِيَة : فَهِيَ التَّعْلِيمُ الدِّينِيُّ لِلصِّغَارِ وَالكِبَار. وَلِهَذِهِ الجِهَة ، كُلُّنا نَأتَمُّ بِالأَزْهرِ الذي نَشَرَ عُلَمَاءَه في أَنحَاءِ الأَرْضِ بِحَمدِ الله . وهذا إلى جانبِ قِيَامِ الأُسَرِ بِوَاجِبَاتِهَا . فَالإِسْلامُ مُتَأَصِّلٌ في الأَعْمَاق . لكنْ عَلَينَا كمَا ظَهَرَ فِي عُقُودِ القَرْنِ الوَاحِدِ وَالعِشرِين – وَنَحنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ تَحَدِّيَاتِ الأَلْفِيَّة الثالثة – أَنْ نَتَمَكَّنَ بِاسْتِمْرَارِ التَّأَهُّلِ وَالتَّأْهِيل ، مِنْ مُكَافَحَةِ التَّشَدُّدِ وَالتَّطَرُّفِ وَالغُلُوّ ، الذي نَهَى اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَنهُ فِي القُرآنِ الكَرِيم ، كَمَا نَهَى عَنهُ رَسُولُ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عليه . لقدْ عَانَينَا مِنَ الاخْتِرَاقَاتِ وَالتَّطَرُّفِ فِي العُقُودِ الأَخِيرَة ، وَقَدْ تَرَاجَعَ الهِيَاجُ وَالِإرهَابُ بِاسمِ الدِّين . وَعَلى مُؤَسَّسَاتِنَا الاسْتِمْرَارُ فِي نِضَالِهَا ، مِن أَجلِ الاعْتِدَالِ وَالتَّوَسُّط . وَالتَّربِيَةُ في الأُسَر شريكةٌ لنا، لا يَنْبَغِي تَجَاهُلُ أَهَمِّيَتِهَا.
وَنَصِلُ إلى المُهِمَّةِ الثَّالِثَة : وَهِي الفَتوَى اقِسمَان: الجُزْئِيَّةُ وَالكُلِّيَّةُ أَوِ الشَّامِلَة. ونحن نَقومُ في مُختَلِفِ البُلدَان ، وَمِن خِلالِ لِجانٍ مُختَصَّة ، وَمِنْ جَانِبِ مُتَخَصِّصِين بِحَلِّ آلافِ المُشكِلاتِ التي تَعْرِضُ في حَيَوَاتِ المُجتمَعَاتِ المُسلِمَة ، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا. وَقَد أَثبَتَتْ دِرَاسَاتٌ قَامَتْ بِها مُؤَسَّساتٌ عِلمِيَّة، أَنَّ مُجتَمَعَاتِنا تَمِيلُ إِلى الْتِمَاسِ الحُلُولِ عِندَنَا ، وَليسَ عِندَ المَحَاكِمِ وَمُدَوَّنَاتِ الأُسْرَةِ وَقَوَانِينِها .
وَلَسْتُ أَزْعُمُ أنَّ الأَمرَ قَدِ اسْتَوَى على سَواءِ هَذِه النَّاحِيَة . لكِنَّنا لِهذِه النَّاحِيَةِ في حَالَةِ نُهُوضٍ مُستَمِر ّ.
الدِّينُ قُوَّةٌ نَاعِمَة . وَقَد جَاءَ فِي القرآن : والصُّلْحُ خَير. وَنَحنُ نَعتَمِدُ هذِه الوَسِيلةَ التي اخْتَارَهَا لنَا القُرآنُ الكَرِيم، وَهَذا سِرُّ نَجَاحِنَا.
وَأَصِلُ إِلى المُهِمَّةِ الرَّابِعة : وَكُنْتُ أُسَمِّيهَا الِإرْشَادَ العَامّ، وَأَنَا أَدعُوهَا فِي هَذِه المُنَاسَبَة : الفَتوَى الشَّامِلَة . تَتَنَازَعُ المُجتَمَعَاتِ فِي الأَلْفِيَّةِ الثَّالِثَةِ عَشَرَاتُ الجِهَاتِ وَالوسَائلِ التي تُرِيدُ تَوجِيهَ المُجتَمَع ، وَصُنْعَ مَشارِيعَ له.
وَنَحنُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الجِهَاتِ الكَثِيرَةِ الأَكثَرِ إِغْرَاءً.
وَقَدْ تَحَدَّتْنَا في الأَلْفِيَّةِ الثَّالِثَةِ بِدْعَةُ تَغْيِيرِ الجِنس، فَحَسَبَ النَّظَرِيَّةِ الجَندَرِيَّة ، لَيسَتْ هناكَ طَبِيعَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ فِيهَا ذَكَرٌ وَأُنثَى تَصنَعُ أُسرَةً ، وَحَيَاةَ مَوَدَّةٍ، وَمَوَاثِيقَ غَلِيظَةً كَمَا سَمَّاهَا القُرآن ، يَعنِي مُؤَكَّدَة ، بَلْ بِحَسَبِ البِدعَةِ الجَدِيدَةِ لا طَبِيعَة ، بَلْ تَارِيخٌ وَثَقافَةٌ وَمَوَارِيثُ ، كُلُّها ذُكُورِيَّة، وَيَنْبَغِي تَحَدِّيهَا وَإِسقَاطُهَا بِحُجَّةِ الحُرِّيَّةِ المُطلَقَةِ التي تُلْغِي الأُسْرَة ، وتُداخِلُ حياةَ العَائلَةِ فَتُدَمِّرُهَا وَتَزْعُمُ المَصِيرَ إِلى إِقرارِ مُيُولِ الأَطفَالِ وَالمُرَاهِقِين ، مِنْ أَجْلِ إِحدَاثِ الاضْطِرَابِ الهَائِل ، وَحَتَّى صِنَاعَةِ الوِلادَاتِ بِدونِ عَائلِة . القُرآنُ تَحَدَّثَ عَنْ تَبْتِيكِ آذَانِ الأَنْعَام، وَتَغْيِيرِ خَلْقِ الله ، وَقَدْ وَصَلَ الأَمْرُ إِلى تَغْيِيرِ خَلْقِ الِإنسانِ وَليسَ الحَيوَانَ فقط . هذِه المَوجَةُ مَا اسْتَشْرَتْ عِندَنَا بَعد- ولكنها على وشك – . إلَّا أنَّها اسْتَشْرَتْ فِي سَائِرِ المُجْتَمَعَاتِ الغَربِيَّة ، وَبَدَأَتْ تُضَايِقُ أُسَرَنا فِي المَهَاجِر . وَيَبْقَى الدِّينُ قُوَّةً نَاعِمَة ، فَلْنَعْمَدْ إِلى التَّحْصِينِ بِالتَّرْبِيَةِ العَطُوف، وَبِالتَّعَاوُنِ مَعَ الجِهَاتِ الرَّسْمِيَّة . وَأَنَا أَنصَحُ بِقِرَاءَةِ وَثِيقَةِ الفَاتِيكَان، الصَّادِرَةِ عامَ 2019 عَنِ المَوضُوع.
لقدْ صَارَ الِإرشَادُ العَامُّ ، أوِ الفَتوَى الشَّامِلَةُ ضَرُورَةً قُصْوَى ، مِثلَ الفَتَاوَى الجُزْئِيَّةِ أَوِ الخَاصَّة . وَسَتُعَالِجُهُ المَجَامِعُ الفِقهِيَّة . وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِمُؤَسَّسَتِنَا رِيَادَةٌ فِي ذلك.
تَحَدِّيَاتُ الأَلْفِيَّةِ الثَّالِثَةِ كَثِيرَةٌ كَمَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُ فِي المُهِمَّاتِ الثَّلاثِ . لَكِنّ التَّحَدِّيَ الرَّابِعَ هذا ، لا يُمْكِنُ تَجَاهُلُهُ أيّاً تَكُنِ المُبَرِّرَات ، وَبِخَاصَّةٍ أنَّ الخَطَرَ لا يَزَالُ فِي بِدَايَاتِه.
لَقَدْ أَهْمَلْنَا التَّطَرُّف، وَقَصَرْنَا مُكَافَحَتَهُ على السُّلُطَات ، فَصَارَ إِرهَاباً وَانْشِقَاقَاتٍ فِي الدِّين . فَلْنَعُدْ إِلى مُوَاجَهَةِ المَوجَةِ الجَدِيدَةِ بِوَعْيٍ وَحِكْمَة ، لِكَي يَحْصُلَ التَّجَاوُز : ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ صدقَ اللهُ العظيم .
.