اكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ان الإسلام يتميز بِخُلُقِ السَّمَاحَةِ وَالتَّسَامُح، لأنَّ السَّمَاحَةُ أَكْمَلُ وَصْفٍ لِاطْمِئنَانِ النَّفس، وَأَعوَنُ على قَبُولِ الهَدْيِ وَالإرشَاد.
وقال خلال مشاركته في افتتاح أعمال مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم الذي عقد في القاهرة بعنوان: “الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي” التَّسَامُحُ مِنَ القِيَمِ الإنْسَانِيَّةِ الرَّاقِيَة، وَالمَبَادِئِ الإسلامِيَّةِ الفَاضِلَة، مُقتَضَاهُ حُبُّ الخَيرِ لِلنَّاس، وَاحْتِرَامُهُمْ وَتَقْدِيرُهُم، وَاللِّينُ في التَّعَامُلِ مَعَهُم، وَمُقَابَلَتُهُمْ بِالإحسَان، وَرُؤْيَةُ فَضْلِهِمْ وَحَسَنَاتِهِم، وَالصَّفحُ عَنْ أَخْطَائهِمْ وَزَلَّاتِهِم، وَالسَّمَاحَةُ هي سُهُولةُ الْمُعَامَلَةِ فِيمَا اعْتَادَ النَّاسُ فيه الْمُشَادَّة. وَمِنْ مَعَالِمِ التَّسَامُحِ في الإسلام، الحِوَارُ مَعَ الآخَر، بَلِ اعْتِبَارُ الحِوَارِ مَبْدَءًا شَرعِيًّا، وَصِبْغَةً حَضَارِيَّةً.
أضاف: فَالعَدلُ هُوَ رُوحُ الشَّرِيعَة، وَجَوهَرُ القَانُونِ وَالشَّرْعِيَّةِ الحَضَارِيَّة، وَمُنْطَلَقُ أَيِّ حِوَارٍ هَادِف، فإذا اجْتَمَعَ الاحْتِرامُ الْمُتَبَادَل، وَالإنصَافُ وَالعَدل، تَحَقَّقَتِ القِيمَةُ الْمُهِمَّةُ مِنَ التَّسَامُحِ في نَبْذِ التَّعَصُّبِ وَالكَرَاهِيَة، وَقَبُولِ الآخَرِ أيًّا يَكُن.
وعليه فإنَّ المُختَلِفِينَ وَإنِ اخْتَلَفُوا في مَسأَلَةٍ مُعَيَّنَة، فَهُمْ مُتَّفِقُونَ مِنْ جِهَةِ القَصْدِ إلى مُوَافَقَةِ الشَّارع، وَالوُصُولِ إلى مُرَادِه، ولمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا في إثارَةِ العَدَاوَةِ وَالبَغضَاءِ فِيمَا بَينَ الفُقَهَاء، بَلِ اتَّسَعَتْ صُدُورُهُمْ لِهَذَا الاخْتِلافِ وَقَبِلُوه؛ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَرَى أَنَّ رَأْيَهُ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الخَطَأ، وَرَأْيُ غَيرِهِ خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَاب. وَلَمْ يَكُنْ هَذا الاخْتِلافُ كَذَلِكَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ ضَعْفِهِمْ وَتَفَرُّقِهِم، بَلْ كَانَ سَبَبًا مِنْ أَسبَابِ عِزَّتِهِمْ وَنَمَاءِ فِكرِهِم.
وتابع قائلا: فالتَّسَامُحُ الفِقْهِيُّ يَعْنِي عَدَمَ تَأْثِيمِ الْمُخَالِف، أَوِ التَّضيِيقِ على اجتِهَادِه؛ لأنَّ الأصْلَ هُوَ تَحسِينُ الظِّن ِبِالْمُسلِم، فَكَيفَ لَو كَانَ ذَلِكَ في مَسائلَ فِقهِيَّةٍ اجْتِهَادِيَّة ؟!
وَختم: فُقَهَاءُ الإسلامِ في حِرصِهِمْ على إظْهَارِ الأَحْكَام، وَبَذْلِهِمُ الوُسْعَ في دِرَاسَةِ النُّصُوصِ الشَّرعِيَّة، التي أَظْهَرَتْ تُراثًا فِقْهِيًّا عَظِيمًا، تَتَـــزَيَّنُ بِهِ الْمَكْتَبَةُ الإسلامِيَّة، وَلاتَزَالُ تَحتَاجُ إلى مَزيدٍ مِنَ البَحثِ العِلمِيِّ التَّخَصُّصِيّ، لِاسْتِخرَاجِ ذَلِكَ الكَنزِ الفِقْهِيِّ العَظِيمِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الإلهِيَّة، الصَّالِحَةِ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكان، بِمَا يَخْدُمُ وَاقِعَ الأُمَّةِ وَمُستَقْبَلَهَا.
والتقى المفتي دريان مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور الشيخ شوقي علام وتم التداول بالشؤون الإسلامية وفي تعزيز العلاقات بين البلدين.