القى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان كلمة في جلسة المؤتمر الإسلامي الدولي في مملكة البحرين تحدث فيها عن الحوار الإسلامي وقضايا المواطنة مقدما بحثا جاء فيه:
الحِوَارُ أَحَدَ أَهَمِّ قِيَمِ المُوَاطَنَة، حيثُ تَزدَادُ الحَاجَةُ إليه أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقتٍ مَضَى، نَتِيجَةً لِمَا تَشهَدُهُ المُجتَمَعَاتُ مِنْ تَطَوُّرَاتٍ مُتَسَارِعَة، وَحَرَاكٍ اجْتِمَاعِيٍّ مُتَنَامٍ، لاسِيَّمَا في مَجَالِ الحُقوقِ السِّيَاسِيَّة، كَحُرِّيَّةِ التَّعبِير، وهذا مَا يَستَدْعِي فَتْحَ قَنَوَاتِ الحِوَار، لِلتَّقْرِيبِ بَينَ وِجْهَاتِ النَّظَر، التي قد تَكُونُ مُتَبَايِنَةً أَحياناً، كمَا أَنَّ التَّغَيُّراتِ العِلمِيَّةَ وَالمَعْرِفِيَّةَ المُتَسَارِعَة، تَتَطَلَّبُ الحِوَارَ وَالتَّوَاصُلَ مَعَ الآخَرِ المُخْتَلِفِ في ثَقَافَتِهِ، وتَفْكِيرِه، وَأَنْمَاطِ سُلُوكِه، لِتَضيِيقِ الفَجْوَةِ بَينَ مَا نَمْتَلِكُهُ مِنْ مَعَارِفَ وَمَعْلُومَات ، وَمَا يَمتَلِكُهُ الآخَرون.
أضاف: الحِوَارُ إِذاً هُوَ ضَرُورَةٌ إِنسَانيَّةٌ، وَدَعَوِيَّةٌ ، وَاجْتِمَاعِيَّةٌ، وَعِلمِيَّة، كَمَا أَنَّهُ ضَرُورَةٌ تَربَوِيَّةٌ وَتَعلِيمِيَّة، فَهُوَ يُجَدِّدُ الفِكْرَ وَيَنْهَضُ بِه ، وهُوَ الطَّرِيقُ الأَسْلَمُ لِلِاعْتِرَافِ بِالآخَرِ وَالتَّعَايُشِ مَعَه، والأُسْلُوبُ الأَمْثَلُ في مُحَارَبَةِ العَقَائدِ الفَاسِدَة، وَالأَفكَارِ المُنحَرِفَة، بَيدَ أَنَّهُ الطَّرِيقَةُ المُثْلَى لِخُرُوجِ الأُمَّةِ مِنْ أَزْمَاتِهَا الكَثِيرَة، وَهُوَ دَلِيلُهَا لِلخروجِ مِن عُنُقِ الزُّجَاجَة ، الحَامِي لَهَا مِنَ العَوَاصِفِ الهَوجَاء، وَالبَرَاكِينِ الثَّائِرة، فَهُوَ ليسَ مَطلَباً عَادِيّاً، بل هو عَمَلٌ فَاعِل، وَضَرُورَةٌ حَتْمِيَّةٌ، لابُدَّ مِنْ تَنْمِيَتِهِ وَالِإقْدَامِ عليه، وَتَوَسُّعِ رِسَالتِه وَأَبْوَابِه، لِتَجْلِيَةِ المَوَاقِف، وَكَشْفِ الأَغَالِيط، وَالتَّصَوُّرَاتِ الخَاطِئَة، وَتَوضِيحِ صُورَةِ الإسلامِ الجَلِيَّةِ الطَّاهِرَةِ النَّاصِعَة، وَوَجْهِهِ الحَقِيقِيّ .
وتابع: مِن أَدَبِيَّاتِ الحِوَار، تَقْدِيرُ قِيمَةِ المُوَاطَنَة، التي تَكْمُنُ في الانْتِمَاءِ لِمُجْتَمَعٍ تَرْبِطُ أَفرَادَهُ عَلاقَاتٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ وَسِيَاسِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ مُشْتَرَكَة ، تَقْتَضِي كَذَلِكَ اكْتِسَابَ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَات.
وختم: الحِوَارُ نَشَاطٌ عَقْلِيّ، وَلا يَتِمُّ الحِوَارُ إِلا بِالعَقْل، لأَنَّهُ بِالعَقْلِ تُعْرَفُ حَقائقُ الأُمُور، وَيُفصَلُ بَينَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات، وَمِن خِلالِ الحِوَار، تَتَحَقَّقُ قِيَمُ المُوَاطَنَة، وَتَتَأَصَّلُ مَعَالِمُ العَيشِ والاسْتِقْرَار، وَتُبْنَى الأَوطَانُ وَتَزدَهِرُ المُجتَمَعَات، ويَأْمَنُ النَّاسُ على أَنْفُسِهِم وَحَيَاتِهِم، وَتَتَحَقَّقُ مَقَاصِدُ الشَّرِيعَةُ وَكُلِّيَّاتُها، بِمَا يَضْمَنُ وَطَناً مُسْتَقِرّاً، وَنِظَاماً مُزدَهِراً، وَمُوَاجَهَةً لِكُلِّ التَّحَدِّيَاتِ التي تَعْصِفُ بِحَيَاةِ النَّاس.

