زار مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان يرافقه لفيف من قضاة الشرع والعلماء ضريح مفتي الجمهورية الشهيد الشيخ حسن خالد بمناسبة ذكرى استشهاده التاسعة والعشرون وكان في استقبال المفتي دريان والوفد المرافق المهندس سعد الدين خالد رئيس مؤسسات المفتي الشهيد حسن خالد وأولاد المفتي الشهيد وعائلته، وبعد قراءة الفاتحة عن روح المفتي الشهيد، قال المفتي دريان :يقولُ اللهُ سُبحَانَه وَتَعَالى:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونوا شُهَدَاءَ على النَّاس، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عليكُمْ شَهِيداً﴾. وَالشَّهَادَةُ أنواع، شَهَادَةُ الحُضُور، وَشَهَادَةُ الحُجّة، وَشَهَادَةُ المَوقِف، وَشَهَادَةُ الدَّم. وبكلِّ هذه الأنواعِ مِنَ الشَّهَادَة، مَرَّ المفتي الكبير، الشيخ حسن خالد. كان الزَّمَنُ زَمَنَ فِتْنَة، فَوَقَفَ ضِدَّ الفِتنَةِ وَالحَربِ الدَّاخِلِيَّة. وَكَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ تَخَاذُلٍ في المَوَاقِف، فَوَقَفَ صَرَاحةً مَعَ سَلامِ لُبنانَ وَسَلامَتِه، وَإعادَةِ الاسْتِقرَارِ إلى رُبُوعِه. وكانَتِ الضَّرُورَة، وَكانَ الوَاجِبُ تَقديمَ نَمُوذَجٍ لِلتَّضْحِيَة، فَكانَتِ الشَّهَادَةُ بِالدَّم، لِيُصْبِحَ حُضُورُكَ أيها الرَّجُلُ الكبير، قِيمةً عُلْيَا لِلحُرِّيَّةِ وَالكَرَامَة، شَأْنَ رِجَالِنَا الكِبَار، مِنْ رِيَاضِ الصُّلْح، وَرَشِيد كَرَامِي، وإلى رفيق الحريري.
لقدِ اعْتَبَرْتَ أيها الرَّجُلُ الكَبيرُ الإفتاءَ أَمانَةً لِلدِّينِ وَالمُجْتَمَع، فَأَعَدْتَ بِنَاءَ المُؤَسَّسَاتِ التي صَدَّعَتْهَا الحَرب، وَمَضَيتَ إلى العَالَمِ العَرَبِيّ، وإلى المَمْلكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ بِالذَّات، مِنْ أَجلِ سَلامِ لبنانَ وَأمْنِه، وَصَونِ بَنِيه، كُلِّ بَنِيه، مِنْ أَهْوَالِ النِّزَاع، وَوَقَفْتَ إلى جَانِبِ الرَّئيسِ الشَّهيد رفيق الحريري، مِنْ أَجْلِ الإِسْهَامِ الفِعلِيِّ في الإنقاذِ الوَطَنِيّ.
وَتَحُلُّ ذِكْرَاكَ هذا العام، وَقَدْ تَكَاتَفَتِ الغُيُومُ حَولَ لُبنان، وَازْدَادَتِ المُعَانَاةُ الاقتصاديةُ والإِنسَانِيَّة. ولذلك، نَجِدُ أنفُسَنَا في مِثلِ مَوقِفِك: اِنحِيازاً للوَطَن، وَعَمَلاً على إِخراجِهِ مِنْ أَزَمَاتِه، وَتَعَاوُنًا مَعَ كُلِّ المُخلِصِينَ لِخِدمَةِ وَحْدَتِهِ الوَطَنِيَّة، وَأَمْنِهِ، وَاسْتِقْرَارِه، وَازْدِهَارِه.
وَتَهِلُّ ذِكْرَاك، وَالأَوضَاعُ العَرَبِيَّةُ ليسَتْ على مَا يُرَام، لِجِهَاتِ الأَمْنِ وَالسِّيَادَةِ وَالوَحْدَة، وَالعَمَلِ العَرَبِيِّ المُشتَرَك. وقد كُنْتَ تَرَى وَتُكَرِّرُ أنَّ حَاضِرَ العَرَبِ وَمُستَقبَلَهُمْ مُرتَبِطٌ بِحِفَاظِهِمْ عَلى وَحْدَتِهِمْ وَتَضَامُنِهِم. ولذا، واقتداءً بكَ أيُّها الشَّهيدُ الغالي، نَدعو العَرَبَ ذَوِي الحِرص، إلى صَونِ أَوطَانِهِمْ وَإِنْسَانِهِم، وَالتَّعَاوُنِ فيمَا بَينَهُم لِلخُرُوجِ مِنْ هذه الحَالَةِ المُزرِيَة.
وَتَهِلُّ ذِكْرَاك، وَقَضِيَّةُ فِلِسطِين، وَحَاضِرَةُ القُدس، تُمْعِنَانِ في الغِيَاب. وَالشَّعبُ الفِلِسطِينيُّ يُناضِلُ وَحْدَهُ تَقريبًا ضِدَ الاحتلالِ والاغتِصَاب، وَضِدَّ المَنهَجِيَّةِ الأميركِيَّةِ المُتَجَدِّدَة. فَنَسْأَلُ اللهَ سُبحانَه، الذي أَكْرَمَكَ وَأَكْرَمَنَا بِشَهَادَتِك، أنْ يَنْصُرَ أَهلَ القُدْسِ وَفِلِسطِينَ على الاحتلالِ الصُّهيُونِيّ، وعلى التَّمْيِيزِ الدِّينِيّ، وَعلى العُنْصُرِيَّةِ البَاغِيَة، إنَّه سَمِيعٌ مُجِيب.
أيها الشَّهيدُ الكبير
هذا يومٌ لِلتَّقدِير، وَيومٌ لِلتَّفكِيرِ في سِيرَتِكَ وَمَسِيرَتِك. وَسَيَظَلُّ عَبَقُ شَهَادَتِكَ مَحَلَّ تَبْجِيلِ كُلِّ اللُّبنانِيِّين، وَكُلِّ الوَطَنِيِّين، وَكُلِّ العَرَب.
رَحِمَكَ اللهُ وَأجْزَلَ ثَوَابَك، وَألْهَمَنَا الصَّبْرَ وَالثَّبَاتَ على مَا صَبَرْتَ عليه:﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾.
ثم القى نجل المفتي الشهيد سعد الدين خالد كلمة جاء فيها: نحن أبناء هذا الشعب الذي يعرف قيمة الرجال وقيمة القادة وقيمة الجرأة في وجه سلطان جائر أو عدو غاشم أو صديق قاس.. لقد اعتقدوا أنه باغتيال عمامة الحق أنهم يستطيعون قتل الحق.. فخسئوا.
لقد ظنوا باغتيالهم للذب لا ينسى شعبه بأن شعبه سينساه فخابوا…
هو المفتي الذي جمع بين الدين والسياسة بعدل بالعدل والتقى ولم يهادن في حق أو يساوم على حق أو يتنازل عن حق.
هو الذي مازال حتى يومنا هذا النموذج الذي يحتذى عن كيف يكون القائد قائداً وكيف يكون العالم عالماً وكيف يكون الوطن وطناً والعربي عربياً والإنسان إنساناً.
نوجه إلى روحه الطاهرة كل تحية ونعاهده أننا سنبقى حريصين على المسيرة ولن نتخلى..
سنبقى حرصاء على دمائه ولن نتراجع عن حقنا وحق الوطن بالعدالة..
سنبقى ليبقى الوطن في أعيننا والعروبة في دمائنا والدفاع عن الحق منهجاً وسلوكاً.
سنبقى كما علمنا زكما ربانا خير سند لكل محتاج وسنداً لكل من يقاسي ويعاني من مشقات الحياة سنبقى خير داعمين لكل سائل عن حق وكل باحث عن عدالة قضية.
في ذكرى استشهاده التاسعة والعشرين لا نعرف ما نبكي، أنبكي حالنا في هذا الوطن أو نبكي حالنا في هذه الأمة أو نبكي فلسطين التي ما يزال نهر الدم فيها منذ العام 1948 نازفاً لم يتوقف أمام أنظار العالم الذي يقيس الحق بمقدار المصالح والعدالة وفقاً لشهواته.