أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة والفضيلة، الحضور الأكارم: ثِقُوا أنَّ لبنانَ سَيَبْقى وطَنُنَا جَمِيعاً، إِيمَانُهُ بِالله، وَحْدَتُهُ الوطنِيَّةْ، أَصَالَةُ شَعْبِه، كَفِيلةٌ بِحِفظِهِ وَحِمَايَتِه وَاسْتِمْرَارِه، وَرَدِّ العَدُوِّ الإسرائيلِيِّ المُعتَدِي على أَعقَابِه. ولا خَوفَ على لُبنانْ…
اِجتِمَاعُنا في هذهِ الدَّارِ الوَطَنِيَّةِ التَّارِيخِيَّةِ العَامِرَةْ، رِجَالُ دِين، وَمَرجِعِيَّاتٌ لُبنَانِيَّةٌ وَوَطَنِيَّةٌ مَسؤُولةْ، هُوَ خَيرُ رِسَالَةٍ لِلعَالَمِ أَجمَعْ، وَأَبْلَغُ رَدٍّ على هذا العَدُوِّ الإِسرائيلِيِّ، وَمَا يُظهِرُ مِنْ جَبَرُوت، وهو الذي لا يَرْعَى لِلقَوانِينِ وَالشَّرَائعِ الدَّولِيَّةِ والإنسانِيَّةِ والأَخلاقِيَّةِ حُرْمَةْ، ولا يُقِيمُ لِحُقُوقِ الإِنسانِ والمُعَاهَدَاتِ الدَّوْلِيَّةِ وَزْناً، ولا يُولِي لِلأُمَمِ المُتَّحِدَة، وَمَجلِسِ الأَمْنِ احْتِرَاماً أو هَيْبَةْ، وَيَستَعمِلُ آلةَ القَتلِ والدَّمَارْ، وَيَرتَكِبُ جَرَائمَ الإِبَادَةِ الجَمَاعِيَّةِ، بِشكْلٍ وَحْشِيٍّ وَهَمَجِيٍّ لم يَشْهَدْ لَهُ تَارِيخُ البَشَرِيَّةِ مَثِيلاً، بِدَايَةً غَزَّة، وَالآنَ لُبنانْ، وَالعَالَمُ كُلُّهُ يَلُوذُ، وَيَا لَلْأَسَفْ، بِالصَّمْتِ المُرِيب.
فِلَسطِينُ وَالقَضِيَّةُ الفِلَسطِينِيَّةْ، قَضِيَّةُ حَقٍّ وَعَدْلْ، سَتَبْقَى في ضَمِيرِنا، وفي ضَمِيرِ العَالَم. وَلُبنانُ الوَطَنُ وَطَنُنَا، سَيبْقَى وَاحَةَ الحُرِّيَّةِ وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةْ، وَالتُّرَاثِ الإِيمَانِيِّ العَمِيقْ، وَالعَيشِ المُشتَرَكِ الإِسلامِيِّ – المَسيحِيِّ الآمِنْ، وَسَيَكُوَنُ في وَحْدَتِهِ وَتَمَاسُكِه، وَتَضَامُنِ اللبنانِيِّينَ وَعُرُوبَتِه، وَقُوَّةِ جَيشِهِ الوَطَنِيِّ وَاقْتِدَارِهِ، وَغِنَاهُ الإِنسَانِيِّ وَالثَّقَافِيّ، سدّاً مَنِيعاً في وَجْهِ كُلِّ طَامِعٍ وَمُعْتَدٍ، وَغَاصِبٍ لِلحَقِّ وَمُكَابِر.
مَا حَصَلَ، أيُّهَا الحُضُورُ الأكَارِم، هو امتِحَانٌ عَسِيرٌ لَنَا جَمِيعاً، عرَّضَ لُبنَانَ كُلَّهُ لِلدَّمَاْر، عَلَّنَا نَتَّعِظُ وَيَكُونُ دَرساً لَنَا، في مُعَالَجَةِ مُشكِلاتِنَا الحَالِيَّةِ وَالقَادِمَةْ، وَلَعَلَّ أَهَمَّهَا انْتِخَابُ رَئيسٍ لِلجُمهُورِيَّة، العُنوَانِ الجَامِعِ لِلبِلاد، تَقَيُّداً بِأَحكَامِ الدُّستُور، وَهُوَ الأَمْرُ الذي لا يَجُوزُ الاستِهَانَةُ بِهِ على الإِطلاق، أَوِ التَّمَادِي في تَأْجِيلِهِ أَو تَعطِيلِه، لأَنَّ تَعطِيلَهُ هُوَ تَعطِيلٌ لِلدُّسْتُورْ، وَلِمَصَالِحِ النَّاسِ واسْتِقْرَارِ حَيَاتِهِم، وَلِأَمْنِ البِلاد. بَاتَ رَئيسُ الجُمهُورِيَّةِ في نِظَامِنَا السِّيَاسِيِّ، بَعدَ الطَّائف، صَاحِبَ مَوقِعٍ وَدَورْ، هُوَ رَمزٌ لِوَحدَةِ الوَطَنْ، كَمَا تَقولُ المَادَّةْ 49 مِنَ الدُّستُورْ، وَدَورُهُ هُوَ دَورُ الحُكْمِ في الصِّرَاعِ السِّيَاسِيِّ الدَّاخِلِيّ، في نِظَامٍ دِيمُقرَاطِيٍّ بَرْلُمَانِيَ، تَتَحَكَّمُ فيه مَوَازِينُ قُوىً دَاخِلِيَّةٍ وَخَارِجِيَّة، فَكَانَ لا بُدَّ، في هذا النِّظَامِ مِنْ وُجُودِ مَرجِعِيَّةٍ، مَوثُوقَةٍ وَمُنَزَّهَةٍ عَنِ الصِّرَاعَاتِ السِّيَاسِيَّة، تَجْمَعُ اللبنانِيِّين، وَتَتَمَتَّعُ بِالتَّجَرُّدِ وَالمَوضُوعِيَّةِ وَالتَّرَفُّعْ، لِضَبْطِ إِيقاعِ الدَّولَةْ، وَتَحُولُ دُونَ إِمْكَانِيَّةِ التَّدَخُّلِ الخَارِجِيّ، في الصِّرَاعِ الدَّاخِلِيّ، وَتَقُومُ بِدَورِ صِمَامِ الأَمَانْ لِحَلِّ مَشَاكِلِ الدَّاخِلْ، فَأَنَاطَ الدُّستُورُ، هذِه الأَمَانَةَ بِرَئيسِ الجُمْهُورِيَّةْ، وَأَوكَلَهُ السَّهَرَ على احْتِرَامِ الدُّسْتُور، وَالمُحَافَظَةِ على اسْتِقْلالِ لُبنانَ وَوَحْدَتِهِ وَسَلامَةِ أَرَاضِيه، وَاسْتِمْرَارِ عَمَلِ السُّلُطَاتِ وَالمُؤَسَّسَاتِ الدُّسْتُورِيَّةْ. وهذا يَعْنِي أَنَّ الدُّسْتُورَ قَد أَوكَلَ إِليهِ الاهْتِمَامَ بِالقَضَايَا الوَطَنِيَّةِ الكُبْرَى، التي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُؤَمِّنَ لِلوَطَنِ بَقَاءَهُ وَاسْتِمْرَارِيَّتَهْ، وَلِلْكِيَانِ سَلامَتَهُ وَمَنَاعَتَهْ، وَلِلشَّعْبِ وَحدَتَهُ وَتَضَامُنَه، وَلِلُبْنَانَ اسْتِقْلَالَهُ وَسِيَادَتَهْ، أي حُرِّيَّةِ قَرَارِهِ الوَطَنِيّ، وَسُلْطَةِ الدَّولَةِ الكَامِلَةِ على إِقلِيمِها، وَعَلى المُقِيمِينَ على أَرضِهَا.
أيها اللبنانيون: كَفَانَا تَشَرْذُماً وَفَوضَى، يَجِبُ أَنْ تَسْتَعِيدَ الدَّولَةْ، قَرَارَهَا وَدَورَهَا، وَسُلْطَتَهَا الوَاحِدَةَ والوَحِيدَة، وَتَحْرِصَ على تَطبِيقِ الدُّسْتُورِ وَاتِّفَاقِ الطَّائف، يَجِبُ أَنْ نَبدَأَ بِبِنَاءِ الدَّولَةِ القَادِرَةِ وَالعَادِلَة، يَجِبُ أَنْ نَعتَادَ العَيشَ في كَنَفِ الدَّولَة، وَنَتَقَبَّلَ فِكرَةَ الدَّولَةْ، وَنَحْتَرِمَ قَوَانِينَهَا وَدُسْتُورَهَا، وَنَخضَعَ لِسُلْطَانِهَا، لِأَنَّنَا خَارِجَهَا نَكُونُ جَمَاعَاتٍ وَطَوائفَ وَقَبَائلَ مُتَنَاحِرَةً، لا رَابِطَ بَينَنَا وَلا كِيَانَ لَنَا. باتَ اللبنانِيُّونَ بِحَاجَةٍ إِلى دَولَةٍ تَحمِيهِمْ، وَتَرعَى شُؤُونَ حَيَاتِهِمْ وَمَعَاشِهِم، وَتُوَفِّرُ لَهُمُ الأَمَان، وَتَهْتَمُّ بِمُشْكِلَاتِهِم، وَتَصُونُ كَرَامَاتِهِمْ وَحُقوقَهُمْ وَحُرِّيَّاتِهِم. لمْ نَفْقِدِ الأَمَلَ بِبِنَاءِ الدَّولَةْ، الدَّولَةِ الدُّسْتُورِيَّةْ، دَولَةِ الحَقِّ وَالمُؤَسَّسَاتِ وَالكَرَامَةِ الإِنْسَانِيَّةِ، التي تَسْتَطِيعُ أَنْ تُنْقِذَ لُبنَان، وَتَستَعِيدَ اسْتِقْرَارَهُ الاقتصادِيّْ، وَنُمُوَّهُ وَنُهُوضَهُ وَازْدِهَارَه.
تَعَازِينَا الحَارَّةُ إلى أَهْلِنَا وَإِخوَانِنَا في الجَنُوبِ الُّلبْنِانِيِّ وَالبِقَاع، وبيروتَ وَضَاحِيَتِهَا، وفي كُلِّ المَنَاطِقِ الُّلبْنَانِيَّةِ التي اسْتَهْدَفَها العُدْوَانُ الغَاشِم، والشُّهَدَاءْ، شُهَدَاءِ الوَطَنِ الذين ضَحَّوْا بِحَيَاتِهِمْ دِفَاعاً عَنْ لُبنان، والضَّحَايَا الأَبْرِيَاءِ مِنَ المَدَنِيِّينَ والنِّسَاءِ وَالأطْفَالِ وَالعُجَّزْ، ونَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُضَمِّدَ جِرَاحَ المُصَابِين، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيهِمْ بِالشِّفَاءِ العَاجِلْ. ونَحُثُّ الدَّولَةَ بِكُلِّ مُؤَسَّسَاتِهِا على احْتِضَانِ أَهْلِنَا النَّازِحِين، وَتَوفِيرِ كُلِّ أَسبَابِ الصُّمُودْ، وَتَقدِيمِ العِنَايَةِ الصِّحِّيَّةِ وَالرِّعَائِيَّةِ لَهُمْ، وَالحِفَاظِ على السِّلْمِ الأَهْلِيّ.
وَنُقَدِّمُ شُكْرَنَا إلى الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ الشَّقِيقَة، وَالدُّوَلِ الصَّدِيقَة، التي سَارَعَتْ إِلى إِغَاثَةِ النَّازِحِين، وَالوُقُوفِ إِلى جَانِبِ لُبنَانَ في مِحْنَتِهِ الكُبْرَى، وَمُسَاعَدَتِهِ مِنْ أَجْلِ إِعَادَةِ إِعمَارِ مَا هَدَّمَهُ العَدُوُّ الإِسرائيلِيّ.