زار مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ضريح المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد في منطقة الاوزاعي بمناسبة الذكرى الثلاثين لاستشهاده بحضور ممثل رئيس رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الدكتور عمار حوري والنائب فؤاد مخزومي وسفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري ورئيس المحكمة الشرعية السنية الشيخ محمد عساف وأمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ امين الكردي والمدير العام للأوقاف الإسلامية الشيخ محمد أنيس الاروادي والمفتش العام للأوقاف الإسلامية الشيخ أسامة حداد والمدير الإداري لدار الفتوى الشيخ صلاح الدين فخري والمدير العام مؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية الشيخ احمد دندن ومدير مدرسة الجيل الجديد الشيخ إبراهيم خالد وإمام مسجد الأوزاعي الشيخ هشام خليفة وعضو المجلس الإداري لأوقاف بيروت المحامي حسن كشلي ووفد من حزب الحوار الوطني ووفد من المرابطون ورئيس الإسعاف الشعبي عماد عكاوي والمهندس سعد الدين خالد رئيس مؤسسات المفتي الشهيد حسن خالد وشخصيات سياسية ودينة واجتماعية وثقافية وتربوية وأولاد المفتي الشهيد وعائلته، وقد قرا الجميع الفاتحة عن روح المفتي الشهيد الطاهرة .
واصدر المفتي دريان بيانا الاتي نصه: تمضي العقودُ على استشهادِ مفتي الجمهوريةِ اللبنانية الشيخ حسن خالد ، وتبقى ذِكراه مُتجدِّدةً وحاضِرة . وذلك لأنَّ استشهادَه يرتبِطُ بمحاولاتِ إنهاءِ النِّزاعِ الداخلي، وإعادةِ الاستقرارِ إلى لبنان . وقد كان للمفتي حسن خالد يَعرِفُ المخاطِرَ التي تَتهدَّدُه نتيجةَ مَساعيه، للتواصُلِ بالداخلِ اللبناني، وللتواصُلِ مَعَ العرب. لكنَّه ما توقَّفَ عنِ المُحاولةِ بلِ المُحاولات، ولا تَزَعزَعَ إيمانُه بالمسؤوليةِ والقُدرةِ والاتِّكالِ على اللهِ عزَّ وجلّ.
تَحْضُرُ الذِّكرَى الثلاثين لِاستِشهَادِ المُفتِي الشيخ حسن خالد هذا العام ، فتُوقِظُ في نفوسِنا المُثُلَ والأخلاقَ والقِيَمَ التي كانت تُحَرِّكُه، ولعلَّ المِفتاحَ الأساسَ لِفَهمِ شَخصيَّتِه، هو تعبيرُ أو مُصطَلَحُ : أخلاقِ المسؤولية.
تَحضُرُ اليومَ الذِّكرَى الثلاثين لِاستِشهَادِه. وهي ذِكرَى عَزِيزَةٌ على قلوبِ المسلِمِينَ واللبنانيينَ والعَرَب ؛ لِلمَوقِعِ السَّامِي الذي احْتَلَّهُ المُفتي الشهيد، في عُمقِ المَشْهَدِ الدِّينِيِّ وَالسِّيَاسِيّ، طَوَالَ سَنَوَاتِ النِّزَاعِ الدَّاخِلِيّ.
أضاف: لقد كانَ المُفتِي الشهيد حسن خالد أَكْبَرَ خُصُومِ الانْقِسَامِ الدَّاخِلِيّ . وَقَدْ عَمِلَ كُلَّ مَا بِوُسْعِهِ لِإنهَاءِ ذَلِكَ النِّزَاع . فَمِنْ وِجْهَةِ نَظَرِه، أنَّ كُلَّ الأسْبَابِ التي كانِ يِذكُرُها المُتَقَاتِلون، لا تَسْتَدْعِي حَمْلَ السِّلاح، ولا الاسْتِعَانَةَ بِهذَا الطَّرَفِ أو ذاك، على الاسْتِمْرَارِ في التَّقَاتُل. وقد رَأَى دَائماً أنَّ التَّدخُّلاتِ الخارجية، وَإِغرَاءَ الأَطْرَافِ على تَسعِيرِ النِّزَاع؛ كُلُّ ذَلِكَ يُهَدِّدُ الوُجودَ الوَطَنِيّ ، وَالعَيشَ الإسلامِيَّ – المَسِيحِيَّ في لبنانَ وَالمَشرِقِ العَرَبِيّ. فَالحَلُّ يَكونُ بِعَودَةِ أَطرَافِ النِّزَاعِ إلى رُشْدِهِم، وَمُعَالَجَةِ كُلِّ المُشْكِلاتِ على طَاوِلَةِ التَّفَاوُضِ وَالتَّوَافُق.
وتابع قائلا: في العام 1983 أَصْدَرَ المُفتِي خالد مَعَ الشَّيخ شَمسِ الدِّين، وَثِيقَةَ الثَّوَابِتِ العَشَرَة، التي تَنُصُّ على أنَّ لبنانَ وَطَنٌ نِهَائيٌّ لِجَمِيعِ أبنائه. وَلِأَنَّ التَّوَاصُلَ بَينَ السِّياسيينَ كانَ مُعَطَّلاً بِسَبَبِ سَيطَرَةِ أُمَرَاءِ الحَرب؛ فإنَّ المُفتِي خالد عَمَدَ إلى جَمْعِ السِّيَاسِيِّينَ بِدارِ الفَتوَى بِشَكلٍ مُنَظَّم، لِلتَّشَاوُرِ في طَرِيقَةٍ لِوَقْفِ النِّزَاع. وَكَانَ شِعَارُهُ الدَّائم، العَودَةَ إلى الدَّولةِ القَوِيَّةِ وَالعَادِلَة، وَحُكْمِ القانون، وَالانْطِلاقَ مِنْ قِيَامِ الدَّولةِ الحَرِيصَةِ على الأرضِ وَالشَّعب ، لِمُقَاوَمَةِ العَدُوِّ الإسْرَائيلِيّ ، الذي وَصَلَ إلى بيروت . وَعِندَمَا تَدَخَّلَ العَرَبُ لِإنهَاءِ الحَرب، وَشَكَّلُوا لَجنَةً لذلك، تَعَاوَنَ مَعَهَا المُفتِي الشَّهِيد، وَمَضَى وَالبَطرِيَركِ صْفَير إلى الكويت لِلاجْتِمَاعِ بِها، وَقَدَّمَ لها اقْتِرَاحَاتِه، وَعَلى طَرِيقِ المَسَاعِي لِإنهَاءِ النِّزَاع ، اُسْتُشْهِدَ المُفتِي حسن خالد في 16 أيار عام 1989 في تَفجِيرٍ لِمَوكِبِه، بِجِوَارِ دَارِ الفَتْوَى، بِمَحَلَّة عائشة بكار . وَلِذَلِك ، فَقَدْ فَاتَهُ رَحِمَهُ الله ، مُؤتَمَرُ الطَّائف، الذي أَنْهَى النِّزَاعَ المُسَلَّح، وَأَصْدَرَ وَثِيقَةَ الوِفَاقِ الوَطَنِيّ ، آخِرَ العام 1989.
وفي خِضَمِّ مَسَاعِيهِ لِلتَّصَدِّي لِلنِّزَاعِ الوَطَنِيِّ وَمَخَاطِرِه، مَا غَفَلَ الشَّهِيدُ عَنْ مُوَاجَهَةِ الأَزْمَةِ الاقْتِصَادِيَّةِ وَالمَعِيشِيَّة، التي تَسَبَّبَتِ الحُرُوبُ بِهَا ؛ فَقَامَ على إنشَاءِ صُندُوقِ الزَّكَاة، لِمُكَافَحَةِ الفَقْرِ وَالحَاجَة، وَتَوجِيِهِ المُسلِمِينَ إلى ضَرُورَاتِ التَّضَامُنِ لِلإِطْعَامِ مِنَ الجُوع ، وَالأَمْنِ مِنَ الخَوف.
وختم: المُفتِي الشَّهِيد حسن خالد، هو الذي أَعَادَ صِيَاغَةَ دَورِ دَارِ الفَتوَى، بِحَيثُ تَظَلُّ دَاراً لِسَائرِ اللبنانيين ، وَمَرجِعِيَّةً في أَزْمِنَةِ الرَّخَاءِ وَالشِّدَّة ، وَعَلى يَدَيه، وَبِهَذا الهَمِّ وَالأُفُق، تَرَبَّى الجِيلانِ اللذانِ يَسُودَانِ في هذا المَجَالِ الدِّينِيِّ إلى هذه الأيام . ولذلك، وعلى خُطَاهُ رَحِمَهُ الله، نُعْلِنُ اسْتِمْرَارَنَا عَلَى العَهدِ وَالوَعد ، وَالأَمَانَةِ لِلوَطَنِ وَالمُوَاطِنِين . وَعَلى ثَغْرِ الأَمَانَةِ هذا ، اُسْتُشْهِدَ عُلَمَاءُ مِنَّا ، مِنْهُمُ الشيخ أحمد عساف، والدّكتور صُبحِي الصَّالِح . وَنَحنُ عِندَمَا نَتَذَكَّرُ شُهُودَهُمْ وَشَهَادَتَهُمْ رَحْمَةُ اللهِ عليهِم ؛ فَإنَّنَا نُعلِنُ الثَّبَاتَ على المَبَادِئِ التي أَرسَوهَا ، وَالآفَاقَ التي افْتَتَحُوها ، قَالَ تَعَالى : ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ صَدَقَ اللهُ العظيم.
رَحِمَ اللهُ شَيخَنَا المفتي الشَّهِيد، وَرِفَاقَهُ الشُّهَدَاءَ الأَبْرَار، وَأَلْهَمَنَا الشَّجَاعَةَ وَالصَّبْرَ وَاحْتِسَابَ الأَجْر، وَالعَمَلَ بِمَا يَرضَاهُ وَرَسُولُه.
وقال نجل المفتي الشهيد سعد الدين خالد ثلاثون عامًا مضت على استشهاد المفتي الشيخ حسن خالد، الذي تمثل شهادته أسمى معاني العطاء والتضحية، وتمثل مسيرته نموذجًا لكل من يريد أن يكون صادقًا وقائدًا حكيمًا مع شعبه وأمته ووطنه، لا يهاب في الحق لومة لائم، ولا يهاب المطالبة بالحق والدفاع عنه مهما كان المعتدي أو الظالم.
لقد خسر لبنان باستشهاده رمزًا من رموز الوحدة الوطنية والإسلامية والحوار والتسامح ورمزًا من رموز العدالة والسيادة والاعتدال والعيش المشترك.
وطني إنساني إلى أبعد الحدود، هو القائد الوفي للناس الذي احتضن الناس حين احتاجته، هو القائد الذي مارس الوطنية بأبهى صورها والإنسانية بأعلى مراتبها، هو القائد الذي يحب طائفته ويكره الطائفية، هو القائد الذي لا ينظر إلى الآخرين إلا من خلال المحبة والشراكة الوطنية والإنسانية، هو القائد الذي لم يركع إلا لله سبحانه وتعالى، ولم تنحني قامته إلا تواضعًا وإنسانيةً، بقي صوته عاليًا من على كل المنابر خطيبًا وصريحًا، في زمن سكت فيه الجميع إما خوفًا أو طمعًا.
هو مفتي المطالب الوطنية في العدالة والمساواة، والديمقراطية والحرية والإصلاح السياسي، حمل القضية اللبنانية في عقله وقلبه وعلى لسانه إلى كل العالم عندما تخلى عنها الكثير، وبنى جسور الحوار والتواصل بين اللبنانيين، وكان سعيه الدؤوب وراء المصلحة الوطنية العليا ومصلحة شعبه وأمته.
ثلاثون عامًا مضت ولبنان ما بعد المفتي حسن خالد ليس أبدًا لبنان الذي كان يتمناه والذي جاهد وناضل من أجله حتى الرمق الأخير.
في وطننا اليوم هناك من يقامر بمصير الناس وكأن الشعب وحاضره ومستقبله أضحيا ملكياتٍ خاصة… فسادٌ مستشري، وتوظيفاتٌ عشوائية في القطاعات الحكومية وفقًا للولاءات السياسية والانتخابية على حساب القانون والكفاءة والمساواة أثقلت كاهل الوطن.
دينٌ عام متعاظم يربك الجميع في كيفية معالجته، والفقر في نسبته تجاوز كل حد، والبطالة تأكل أحلام الشباب، ظلامٌ يخيم على الوطن بسبب أزمة توافق على خطة كهرباء، ونفايات أغرقت شوارع الوطن والعاصمة ودخلت مخاطرها الصحية إلى حياة الناس، ولبنان الغني بأمطاره يواجه شحًا بالمياه فيزيد على كاهل المواطن أعباءً أخرى لا يتحملها.
المفتي الشهيد هو العربي بامتياز الذي لم يقصد العرب لغاية في نفسه وقصدها من أجل لبنان والوطن والمجتمع لذلك كان يحظى كل التقدير والعرفان من كافة الملوك والرؤساء العرب، كان يدرك أهمية المملكة العربية السعودية ودورها فكانت الرياض وجدة ومكة المكرمة محطات دائمة له للتشاور في كل أمرٍ يصب في مصلحة لبنان، وفي هذا الإطار فإننا نشجب ونستنكر ما تتعرض له المملكة العربية السعودية، مملكة الخير من اعتداء عسكري أو حتى كلامي مهما كان ومن أي جهةٍ كانت.
المفتي الشهيد كان خائفًا على لبنان ومعلقًا آماله على القمة العربية التي ستعقد في المغرب فناشد الرؤساء العرب العمل على حل القضية اللبنانية فصدر القرار باغتياله وجاء الرد العربي بإصدار قرار لعقد مؤتمر الطائف.
في 16 أيار 1989 انفجار هز بيروت في عائشة بكار فاغتيل المفتي خالد ونالت يد الإجرام منه لأنه كان يريد ويعمل للسلام والانفتاح والحوار ويريد لبنان الواحد الموحد فاهتز لبنان واهتزت الأمة لينقطع الاتصال بين اللبنانيين، وحتى لا يشهد المفتي خالد ثمرة عمله السياسي الوطني الجامع.
من أخذ القرار باغتياله أخذه لتستمر الحرب في لبنان وليكون بدايةً لمرحلة من عمليات الاغتيال السياسية والدينية التي استمرت حتى عام 2005 باستشهاد الرئيس رفيق الحريري رحمه الله.
ثلاثون عامًا مضت وما زال المجرم حرًا طليقًا وما زالت العدالة مكبلةً تسأل عن العدالة، من المحزن أيضًا أن نتكلم في ذكرى المفتي الشهيد في هذا اليوم الذي نودع فيه البطريرك صفير القائد الوطني الذي دون صفحات مشرقة من تاريخ هذا الوطن وبعضها كتبها مع المفتي الشهيد.
لقد رحل القائد العالم وبقيت روحه ترفرف بيننا وستبقى ذكراه خالده على مدى كل الأجيال. ولا بد لي إلا أن أشكر حضوركم ورعايتكم لهذه الذكرى العطرة الغالية على قلوب الأوفياء ولكنني في الوقت ذاته أشعر بأنه من حقنا أن نتساءل وبالفم الملئان أين القيادات الوطنية والإسلامية من هذه الذكرى وأين نواب الأمة ونواب بيروت والمجلس البلدي والوزراء، ألا يستحق منا ومنكم دم الشهيد وقفة اعتزاز بمسيرته ومواقفه… فلولا حسن خالد… ولولا المملكة العربية السعودية… لما كان الطائف… ولما كنتم أنتم في مواقعكم….. وربما ما كان لبنان.