أركان الحجّ
أركان الحج هي تلك الأعمال التي إذا أُهمل واحد منها بطل الحج، ولم يعد ينجبر بأيّ كفارة أو فدية. وهي خمسة أشياء:
الأول: الإحرام: المقصود بالإحرام نية الدخول في الحجّ، فكما أن النيَّة ركن أساسي من أركان الصلاة، فهي هنا ركن جوهري من أركان الحجّ.
الإحـرام وكيفيته
لا بدَّ لفهم ما يتعلَّق به من أحكام من أن نحدِّثك عن ثلاثة أشياء: ( المواقيت، كيفية الإحرام، محرَّمات الإحرام ).
1- المواقيت: وينقسم إلى ميقات زماني وميقات مكاني.
أ- الميقات الزماني:
هو عبارة عن شهر شوَّال وذي القعدة والعشر الأول من ذي الحجَّة. فهذه المدَّة الزمنية هي الفترة المفتوحة للإحرام بالحجّ، أي فلو نوى الحاجُّ الحجَّ قبل ذلك لم تَصحّ نيَّتُه ولم يَصحّ إحرامه. وهو معنى قوله عزَّ وجلَّ : ﴿ الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ سورة البقرة؛ آية 197.
ب- الميقات المكاني:
وهو عبارة عن حدود معروفة تحيط بالحرم المكيِّ من شتى جهاته، حدَّدها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالنسبة للقادمين إليه من الآفاق البعيدة، بحيث يجب عليهم إذا وصلوا ولم يكونوا محرمين أن يبدؤوا الإحرام ويلتزموا شروطه وواجباته منذ ذلك المكان. وتفصيل ذلك الحدود كما يلي:
- ( ذو الحُلَيفة ) ميقات للمتوجِّه من المدينة المنوَّرة.
- ( الجُحْفة ) ميقات للمتوجِّه من الشام ومصر والمغرب.
- ( يَلَمْلَم ) ميقات للمتوجِّه من تِهامة اليمن.
- ( قَرن ) ميقات للمتوجِّه من نجد الحجاز ونجد اليمن.
- ( ذاتُ عِرْق ) ميقات للمتوجِّه من جهة المشرق كالعراق والخليج ونحوه.
- أما من كان منزله دون هذه المواقيت قُرْباً إلى مكة المكرَّمة، فإنَّ ميقاته منزله الذي هو فيه، فهو يحرم من حيثُ ينشئ سفره. ويدخل في هذا الضابط أهل مكَّة المكرَّمة أيضاً، فيحرمون من بيوتهم داخل مكَّة المكرَّمة.
وهذه المواقيت تعتبر مواقيت للحاجِّ والمعتمر، ما داما قادمَينِ من خارج الحرم. أمَّا إذا كان المعتمر في داخل الحرم، سواءً كان مكيَّاً أو وافداً فيجب عليه الخروج للإحرام بالعمرة إلى أدنى الحِلّ، وهو ما وراء حدود الحرم ولو بخطوة واحدة. فلو أحرم من مكَّة المكرَّمة صحَّت عمرته ولزمه دمٌ.
2- كيفية الإحرام بالحجِّ والعمرة:
الإِحرام هو نيَّة الدخول في نُسك الحجّ أو العمرة أو نُسكهما معاً، مع ما يتبعه من الأعمال والآداب المتمّمة. وكيفية ذلك بإيجاز:
أولاً: إذا أراد الحاج أو المعتمر الدخول في النُّسك، قدّم بين ذلك هذه التمهيدات التالية:
أ- الاغتسال: وهو سنَّة، وينوي به غسل الإحرام، فإن عجز عن الاغتسال يتيمَّم.
ب- تطييب بدنه: وهو سنَّة أيضاً، ولا بأس بأن تبقى رائحته إلى ما بعد الدخول في الإحرام وأعمال النُّسك.
ج- تجرّد الرجُل عن كلِّ مَخِيط من الثياب، وهو واجب، ويستعيض عنه بإزار ورِداءٍ يُسنُّ أن يكونا أبيضين، أما المرأة فلا يجب عليها سوى كشف وجهها وكفَيها.
د- صلاة ركعتين: وهي سنَّة، ينوي بهما سنَّة الإحرام.
ثانياً: إذا أنجز هذه التمهيدات، انتظر اللحظة التي يبدأ فيها المسير أيَّاً كانت وسيلته، وعندئذ ينوي بقلبه الإحرام بالحجِّ أو العمرة، حسب ما هو قاصد إليه، ويُسنُّ أن يتلفَّظ بلسانه قائلاً: ” اللهم إني نويت الحجَّ، وأحرمْتُ به لله تعالى “، ثمَّ يقول ملبِّياً: ” لبيك اللّهم لبيَّك، لبيَّك لا شريك لك لبيَّك، إنَّ الحمْدَ والنِّعمةَ لك والمُلك، لا شريك لك “.
والواجب من ذلك النيَّة القلبية، أمَّا التلفُّظ بها والتلبية فسنَّة. فإذا فعل ذلك فقد دخل في مناسك الحجّ أو العمرة، وسَرَت عليه الأحكام والواجبات المتعلِّقة بهما.
ثالثاً: للحاجِّ أن يختار في عقد النيّة بالإحرام كيفيةً من الكيفيات التالية:
أ- أن ينويَ الإحرامَ بالحجِّ فقط، فإذا فرغ من أعمال الحجّ، عاد إلى خارج حدود الحرم فاعتمر وأتى بأعمال العمرة.
وهذه الكيفية هي أفضل كيفيات الإحرام، وتسمَّى هذه الكيفية ” الإفراد “.
ب- أن ينوي بإحرامه العمرة، حتى إذا فرغ منها حلَّ ثمَّ أحرم بالحجّ من مكَّة المكرَّمة أومن الميقات الذي أحرم بالعمرة منه، وعليه أن يذبح لقاء ذلك هَدْياً وهو شاة ممَّا تُجزئ به الأضحية ، وتسمَّى هذه الكيفية “ تمتعاً ” وهي تلي في الأفضلية الإفراد.
ج- أن ينوي حجَّاً وعمرةً معاً، ثمَّ يمضي في أعمال الحجّ، فتندرج تحتها أعمال العمرة أيضاً، ويستحقُّ أجرهما معاً، وعليه أن يذبح لقاء ذلك هَدْياً وهو شاة ممَّا تُجزئ به الأضحية وتسمَّى هذه الكيفية ” قِرَاناً ” وهي تلي في الأفضلية الكيفيتين السابقتين.
3- مُحَرَّمات الإحرام:
تحرم على المتلَبِّس بالإحرام عشرة أشياء يجب أن يتجنبها سواءً كان مُحْرِماً بحجٍّ أو بعمرة وهي:
- لبس المَخِيط أو المحيط في جميع بدنه. وكالمخيط في الحرمة الحذاءُ المحيطُ بالرِّجل.
- تغطية الرأس إلا من عذر، أو تغطية بعضه، سواءً كانت وسيلة التغطية مخيطاً أو غيره كالعمامة والقلنسوة أو أي شيء ساتر. أما الاستظلال بجدار أو مظلَّة بحيث لا تلامس رأسه فلا مانع من ذلك.
وهذان الأمران يحرمان على الرجال خاصة دون النساء.
- ترجيل الشَّعر أي تسريحه، أياً كانت وسيلة ذلك: مشطاً أو ظفراً أو نحوهما. هذا إن خيف سقوط شعرٍ بسبب ذلك. فإن لم يخف فهو مكروه فقط.
- حلق الشَّعر أو نتفه، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك ونحوه. ويدخل في الحرمة قصّ بعض شعرة، وقاس الفقهاء على شعَر الرأس شَعَر جميع البدن.
- تقليم الأظفار، والمراد الجنس الذي يصدق بظفرٍ واحد أو بعض ظفر، إلا أن يكون من عذر، كأن انكسر ظفره وتأذَّى به فاضطر إلى قطعه.
- التطيُّب: وذلك باستعماله عمداً في أيِّ جزءٍ من أجزاء بدنه، ومثله أن يمزِج الطيب بطعامٍ أو شرابٍ فيطعمه، وأن يجلس أو ينام على فراشٍ أو أرضٍ مطيَّبين من غير حائل، ومثله أيضاً الغسل بصابون مطيَّب. وليس في حكم التطيّب شمّ الورد، أو مائه في إنائه أو مغرسه، فلا يحرم
- قتل الصيد المأكول إذا كان برّياً أو وحشياً. ومثل القتل مجرد صيده بوضع اليد عليه والتعرّض لشيء منه من جزءٍ أو شعر أو ريش ونحو ذلك. وخرج بالبرّي صيد البحر، فلا يحرم على المحرم، وخرج بالوحشي من المأكول الإنسيُّ منه كالنَّعم والدَّجاج وإن استوحش.
- عقد النكاح، سواء فعل المحرم ذلك لنفسه أو غيره بتوكيل منه، فإن فعل ذلك فالعقد باطل.
- الجماع بأشكاله وأنواعه المختلفة.
- المباشرة بشهوة فيما دون الجماع، كلمس وقُبلة ونحوهما.
سنن الإحرام:
يسنّ عند الإحرام بالحج القيام بالآداب التالية:
- الاغتسال قبل الإحرام، فإن لم يمكن الاغتسال قام التيمُّم مقامه، ويتبع ذلك كلّ وجوه التنظيف وخصال الفطرة، كإزالة شعر الإبط والعانة، وقص الأظافر، وإزالة الأوساخ، وهذا الغسل مسنون لكل حاج ذكراً أو أنثى طاهراً أو حائضاً أو نفساء.
- التلفظ بالنية، وإجراء ألفاظها على اللِّسان، ثمّ إتباع ذلك بالتلبية وهي: ” لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والمُلك، لا شريك لك “، ويرفع الرَّجُل صوته بذلك، قائماً وقاعداً وماشياً، وفي مختلف الحالات. ويستمر استحباب ذلك إلى رَمي جَمْرة العقبة صباح يوم النحر. ويستقبل القِبْلة عند الإحرام ويقول: ” اللهم أَحْرَم لك شعري وبشري ولحمي ودمي “. أما المرأة فيسنّ لها خفض صوتها في التلبية بحيث تسمع نفسها.
- الابتعاد عن أحاديث الدنيا وملهياتها المباحة فضلاً عن المكروهة والمحرَّمة، ما أمكن ذلك.
سنن دخول مكَّة المكرَّمة:
فإذا شارف الحاج دخول مكَّة المكرَّمة يُسنّ له أن يلتزم الآداب التالية:
- أن يدخل مكَّة قبل وقوفه بعرفة، ثمّ يذهب إلى عرفة منها.
- أن يغتسل لدخول مكَّة المكرَّمة عند بئر ذي طُوَى وهي بئر معروفة، كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يغتسل بمائها دائماً إذا دخل مكَّة المكرَّمة.
- أن يدخل مكَّة المكرَّمة من ثنيَّة ( كَدَاء ) وهي طريق بأعلى مكَّة المكرَّمة.
- أن يتّجِه فور وصوله إلى البيت قاصداً طواف القدوم إن كان مفرداً أو قارناً، وهي تحيَّة البيت الحرام التي كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يحرص عليها.
- أن يدخل المسجد من باب بني شَيْبَة _ أي باب السلام _ فإذا أَبصرَ الكعبةَ المشرَّفةَ رفع يديه ودعا بهذا الدعاء: ” اللهم زِدْ هذا البيتَ تَشريفاً وتعظيماً وتَكْريماً ومهابةً، وزِدْ مَنْ شرَّفه وعظَّمه ممن حجَّه أو اعتمره تَشْرِيفاً وتعظيماً وتكْريماً وبِرّاً. اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيِّنا ربنا بالسلام “.