زار مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط بيروت على راس وفدٍ كبير من العلماء بمناسبة ذكرى استشهاده، وبعد قراءة الفاتحة وإهداء ثوابها لروح الرئيس الشهيد ورفاقه الأبرار، قال مفتي الجمهورية:
في الظروف البالغة الصعوبة التي نعيشها اليوم، نستذكر الشهيد الرئيس رفيق الحريري، رجل الدولة صاحب الاهتمام الكبير بالإنسان والإعمار والبنيان. نستذكر وفاءه للمبادئ الوطنية، ونستذكر صدقه في الحوارات السياسية في وقت أصبح الكذب على الناس ليس مجرد رذيلة اجتماعية وأخلاقية فقط ، بل ركناً من أركان سياسة دولة، تقف اليوم على حافة الانهيار، إن لم تكن قد انهارت فعلاً .
انبثق رفيق الحريري من تحت ركام وأنقاض بلد متلاشٍ وحمل على كتفيه إعادة بنائه وتعميره، الى أن أرداه التفجير الغادر، فارتقى شهيدا حيا عند ربه، وقد قال تعالى في القرآن الكريم: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”..
واليوم يدخل لبنان الوطن مرة جديدة في التلاشي، وكأن القيّمين على شؤونه لم يتعلّموا من التجارب السابقة التي دفع اللبنانيون ثمنها غالياً جداً من أرواحهم وممتلكاتهم .
في ذكرى الشهيد الكبير رفيق الحريري، وفي ذكرى رفاقه الأبرار الذين لحقوا به على طريق الشهادة، نتساءل بألم ومرارة : الى متى تتواصل قافلة الشهداء وقد كاد لبنان نفسه أن يصبح شهيداً ؟..
لا ينتهي شعب لا يتخلى عن إرادته. ولا يزول وطن يتمسك برسالته – رسالة المواطنة والعيش المشترك – في بلد يتميز بالتنوع والتعدد الحضاري. كان الشهيد رفيق الحريري رحمه الله تعالى رمزاً للإرادة الوطنية الصادقة، وحاملاً مشعل رسالة لبنان الإنسانية. وكان استشهاده ولادة جديدة لهذه الإرادة، وإحياءً جديداً لتلك الرسالة .
إن لبنان الغارق اليوم في هوّة الفساد الأخلاقي والفشل السياسي والانهيار المالي والاقتصادي، يذكر بتقدير، ويتذكّر باحترام المبادرات الإنقاذية التي قام بها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي نهض بلبنان، وببيروت بشكل خاص، من تحت الأنقاض. وحتى يتمكّن لبنان من مقاومة اليأس ومن الاستسلام للأمر الواقع فانه يحتاج الى تجديد العمل بمبادئ الشهيد بما اتسمت به من أخلاقيات سامية ومن مبادرات بنّاءة ورؤيا واضحة .
فإكرام الشهيد يكون بالدعاء له والترحّم عليه ويكون أيضا بالمحافظة على تراثه الأخلاقي والإنمائي والوطني. وبمواصلة العمل العام في ضوء النهج الوفاقي البنّاء الذي اعتمده طوال مسيرته في الحكم ، وخارج الحكم ، وحتى النفَس الأخير .
وفي ذكرى استشهاده نؤكد المضي قدماً على دربه، تمسكاً بلبنان الواحد ودفاعاً عن أمنه وسلامته وكرامته .
إن حياة بلا معنى وهدف هي موت مبكر. ومعنى حياتنا أن نكون في وطن ينفع الناس ويجمعهم. ويصون كراماتهم ويحفظ حقوقهم، ورسالة حياتنا أن نبلّغ ثقافة العيش الوطني الواحد واحترام كرامة الإنسان وحقوق المواطنة .